الحبيب الأسود
هل انكشف سيناريو “الرعب” الإيراني قبل موعده المحدد؟ يبدو أن مؤشرات عدة ترجح أن القوى الراديكالية داخل النظام الإيراني أفلتت من عقالها خلال الفترة الأخيرة لتنفذ عمليات ميدانية عن طريق عناصر من الحرس الثوري في مياه بحر العرب أو من خلال وكلائها الحوثيين في اليمن، لتقدم من خلالها ملامح عما قد يكون عليه الوضع في حالة نشوب حرب مع إيران.
العملية التخريبية التي استهدفت أربع سفن تجارية قبالة ساحل الفجيرة الإماراتي في 12 مايو الماضي، لا تختلف في شيء تقريبا عن العملية التي استهدفت سفينتين أخريين يوم 13 يونيو الجاري في خليج عمان. ويبدو من السذاجة عدم الربط بين الحالتين، كما سيكون من اللامنطق استبعاد الدور الإيراني، في ظل محاولات النظام الإيراني الضغط على دول المنطقة والعالم لفتح جسور التواصل معه بعد أن أدرك عمق ما يواجهه من أثر العقوبات الأميركية والعزلة الإقليمية والعالمية.
ولعلّ مشاهد الفيديو التي نشرها البنتاغون لعناصر من الحرس الثوري الإيراني وهي تزيل لغما قبل أن ينفجر في سفينة شحن يابانية، أخذا بخاطر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي كان آنذاك في لقاء غير مسبوق مع المرشد الأعلى علي خامنئي في طهران، كافية لتحصر شبهة التورط في تخريب حاملات النفط في الجانب الإيراني الذي سبق وأن حذر من عواقب العقوبات التي يتعرض لها.
فوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان واضحا عندما قال في مؤتمر صحافي مع نظيره الألماني في طهران الأسبوع الماضي إنه “لا يمكن التوقع بأن تكون الحرب الاقتصادية جارية ضد الشعب الإيراني في ما يكون الذين أطلقوا هذه الحرب ويدعمونها في أمان”. وأضاف أن “التوتر الجديد في المنطقة هو نتيجة الحرب الاقتصادية ضد بلاده” في إشارة إلى حملة “الضغوط القصوى” التي تشنها الولايات المتحدة ضد إيران وخصوصا عبر العقوبات الاقتصادية التي أعادت واشنطن فرضها على إيران أو كثفتها منذ 2018.
وقبل ذلك، هدد الحرس الثوري الإيراني، بمنع صادرات النفط من الدول المجاورة إذا تعرضت صادرات إيران للحظر بموجب العقوبات الدولية، ونقلت وكالات أنباء إيرانية رسمية عن قائد “فيلق القدس″ بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قوله إن “الحرس الثوري الإيراني مستعد لتطبيق سياسة تمنع صادرات النفط الإقليمية إذا تم حظر مبيعات الخام الإيرانية”.
كما هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن “الدول الأخرى بالمنطقة لا يمكنها تصدير النفط إذا مُنعت إيران من بيع الخام”، وهذا كله يصب في حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن الآليات الميليشياوية الثورية الملحقة بمكتب المرشد خامنئي، كانت قد وضعت منذ أشهر خطة عملية لضرب عدد من ناقلات النفط في المنطقة، كنوع من رد الفعل على حظر بيع النفط الإيراني، في ظل ما يمكن وصفه بسيناريو الرعب لوضع العالم أمام حقيقة مهمة، وهي إما قبول التحدي والاستمرار في العقوبات، وإما الخضوع للابتزاز الواضح من قبل نظام الملالي والذي يتم من خلال استعراض قوى ميليشياته وسعيها لقطع الطريق أمام التجارة البحرية وخاصة المتعلقة بالنفط ومشتقاته، وشعارها «إما أن ترفعوا عنا العقوبات أو فلتقبلوا نتيجة قراراتكم» وما سيكون لها من أثر على حركة أسواق النفط والأسعار وبالتالي على الاقتصاد العالمي.
ولما يدور في البحر، وجه آخر تدور مجرياته في الجو والبر السعوديين، حيث ما انفكت ميليشيات الحوثي تدفع بصواريخها الباليستية وطائراتها المسيرة لاستهداف المملكة، بشكل غير مسبوق، ما يعني أنه رد على الموقف من إيران، قبل أن يكون ردا على دور التحالف العربي الداعم للشرعية، وأنه مرتبط بسيناريو الرعب الذي أعده النظام الإيراني للرد على للموقف الإقليمي والدولي منه.
إن سيناريو الرعب الإيراني يتمثل في التمنطق بحزام جغرافي ناسف على مستوى الإقليم، يتوزع بين مياه الخليج وبحر عمان واليمن مرورا بالعراق وسوريا ولبنان وبعض الخلايا النائمة في دول المنطقة، ونظام الملالي يريد أن يقول إنه مستعد للقيام بعملية انتحارية لا يهم أن تقضي عليه، ولكن المهم أن تلحق الضرر بالمنطقة، وخاصة بالدول المناهضة لتصرفاته العدوانية وأجنداته التوسعية، وما العمليات التخريبية ضد سفن الشحن، واستهداف منشآت مهمة في العمق السعودي، إلا بوادر لهذا التوجه الانتحاري لنظام لا يعترف إلا بلغة القوة، الهدف منها التوصل إلى تفاهمات مع القوى الغربية وعلى رأسها واشنطن، مقابل السماح له بالاستمرار في التمدد إقليميا.
يعتقد النظام الإيراني أن القوى الكبرى في العالم لا تهتم في الأخير إلا بمصالحها الاقتصادية، وأنها ستضطر للجلوس معه إلى طاولة المفاوضات إذا نجح في إقناعها بأنه قادر على تهديد تلك المصالح، وخاصة النفطية منها، وبالمقابل، يواصل ممارساته العدوانية ضد دول المنطقة، انطلاقا من محاولاته الدائمة لتصدير أزماته الداخلية، ورفضه بعد 40 عاما، أن ينتقل من وضعية الثورة الجاهزة للتصدير إلى وضعية الدولة الملتزمة بالقانون الدولي وعلاقات حسن الجوار.
ومن خلال رسائله الإرهابية الأخيرة، حاول نظام الملالي أن يثبت قدرته على إلحاق الأذى بغيره، وأن يعلن الحرب من طرف واحد، غير أنه أخطأ في تقدير الوضع، باعتباره كشف عن جانب مهم من سيناريو الرعب الذي أعده للمواجهة، فأي خسائر آنية قد يتسبب فيها، ستكون أقل كلفة من استمرار تحمل مغامراته العدوانية لسنوات أو عقود قادمة، وعلى القوى العالمية أن تتجاوز أسلوبها الانتهازي في التعامل مع هذا النظام نحو أسلوب أكثر حزما، يصب في مصلحة العالم والمنطقة والشعب الإيراني الذي ما انفك يدفع ثمن التعنت العقائدي للملالي.
لقد أدرك العالم بما لا يدع مجالا للشك أن إيران هي التي تقف وراء استهداف ناقلات النفط في مناسبتين، ولكنه يرفض الإفصاح عن ذلك، ربما من أجل منح فرصة أكبر للوساطات، وقد يكون من أجل التنصل من قرار الحسم في التصدي العملي لجرائم الملالي، وسيكون عليه دفع المزيد من الخسائر إذا سمح لذلك النظام بالاستمرار في لعبته، فأجنحة خامنئي العقائدية المسلحة ستشعر بأنها أصبحت صاحبة القرار النهائي في إدارة شؤون المنطقة إذا قوبلت أعمالها العدوانية بالصمت أو التجاهل، وهو ما يستوجب موقفا دوليا جريئا، أولى تجلياته سحب الشرعية الأممية عن النظام، وتشديد الحصار، وقصقصة الأجنحة بما ينزع مخاطر الحزام الجغرافي الناسف العابر للحدود.