*د.السيد محمد علي الحسيني
إن الطابع والسمة الافتتاحية الاستيعابية التي تميز بها الدين الإسلامي واستعداده ليس لتقبل الآخر والتعايش معه فحسب وإنما حتى حمايته والدفاع عنه، کان ولايزال السر الأکبر وراء انتشاره وتقبله من قبل أكثر من مليار مسلم، وليس السيف کما يسعى البعض، ذلك أن القيم والأفكار المفروضة عن طريق القوة وبالإكراه تنتهي وتضمحل عندما لا تبقى القوة، وهذه حقيقة أثبتها التاريخ على مر الزمان، ومع أن الإسلام واجه أعدادا کبيرة من الخصوم والأعداء والمتربصين الذين لم يسعوا من أجل التشكيك به فقط وإنما الطعن به أيضا ومحاولة قلب وتشويه الآيات المختلفة باستدلالات انغلاقيه وانعزالية وإقصائية واهية تتعارض أصلا مع الخط العام الاعتدالي الانفتاحي العام للقرآن الکريم خصوصا والسيرة النبوية العطرة عموما.
أعداء الإسلام والأديان حركوا مفاهيم مشوهة لضرب حقيقة الدين باستدلالات انغلاقيه انعزالية
عندما بشر النبي الأکرم بالإسلام التسامحي الاعتدالي فإن انفتاحيته وقبوله واعترافه بالأديان الأخرى کان دليلا مبدئيا على ذلك، وإن انفتاح وقبول الإسلام بالأديان الأخرى لم يکن تکتيکا فکريا أو موقفا عارضا وطارئا وإنما کان وکما قلنا موقفا مبدئيا أکدته العديد من آيات القرآن الکريم کما شدد عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من خلال أحاديثه الشريفة، ولذلك فإن الذين يسعون لتحريف وتشويه هذه الحقيقة وطرح مفهوم مناقض لذلك إنما هم من الذين”يحرفون الکلم عن مواضعه”أو ممن”يشترون بکلام الله ثمنا قليلا” کل هذا الکلام نورده ونحن نتصدى للآية 85 من سورة آل عمران”ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين” حيث يتم الاستدلال بها من ذوي النظرة الضيقة من المسلمين على أن هذه الآية تعني رفض الأديان الأخرى وعدم تقبلها وأن الدين عند الله هو الإسلام فقط والذي هو خاتم الأديان، في حين أن غير المسلمين من المتصيدين الحاقدين يعتبرون هذه الآية دليلا دامغا لرفض الأديان الأخرى وإقصائها وعدم تقبلها، لکن هل الأمر کما يقول هٶلاء وأولئك؟
الاتجاه الإقصائي ناتج عن الفهم الخاطئ والجهل بآي الذكر الحكيم
الحقيقة التي غابت عن هؤلاء وأولئك سواءً عمدا أو قصورا أو التباسا في الفهم والاستيعاب، هي غير مايرونه على حد سواء تماما، وهو برأينا يعود لعدم فهمهم للمعنى المقصود من الإسلام في هذه الآية ولدى هذا التصور الخاطئ الذي بني على أساسه، مما أدى إلى هذه النتيجة الخاطئة، إذ أن الآية 125 من سورة النساء” ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا”، تطرح هنا معنى شموليا جامعا أوسع بکثير من ذلك الذي يقصده المضيقون وكذلك المتصيدون الحاقدون، فإن من اتبع ملة إبراهيم ليس المسلمون لوحدهم وإنما اليهود والمسيحيون أيضا إذ ليس في ملة إبراهيم إلا وحدانية الله وطاعته وسنن الفطرة والتسامح والمحبة والسلام والقبول بالآخر إذ أن الجميع منقادون لله تعالى ومٶمنون به، کما أن ماقد جاء في الآية (71 ـ 72) من سورة يونس” واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ، فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين” کما أن ماقد جاء في الآية(130 ـ 131) من سورة البقرة” ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ، إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين، ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون” ثم ماقد جاء في الآية(84) من سورة يونس” وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين” وکذلك الآية الآية(111) من سورة المائدة”وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون”، وعندما نراجع کل هذه الآيات وتکرار کلمة الإسلام والمسلمين فيها يدل على أن لهذه الکلمة معنى أکبر وأوسع بکثير من ذلك الذي قصده وابتغاه الفئتان من المسلمين وغير المسلمين، إذ لايوجد أي مجال للطعن بالقرآن والإيحاء بأن هناك تعارض أو تناقض فيه خصوصا من حيث ماجاء في الآية 85 من سورة آل عمران”ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه” والآية 55 من سورة آل عمران”وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين کفروا إلى يوم القيامة”، إذ يتساءل البعض کيف يمدح الله تعالى الذين اتبعوا عيسى”ع” أي المسيحيين في موضع مقررا أنه سيجعلهم فوق الذين کفروا إلى يوم القيامة ثم يٶکد في موضع آخر أن من اتخذ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه؟ ومن دون شك فإن کل من آمن بعيسى”ع” واتبعه فهو مسلم کما هو واضح مما قد جاء في الآيات الکريمة التي أوردناها بهذا الصدد.
الإسلام دين شامل جاء لخير البشرية
إن القرآن الکريم خصوصا والإسلام عموما جاء لخدمة البشرية عموما إذ أنه لم يقتصر على المسلم وإنما تعداه إلى الآخرين ممن يٶمنون بعقيدة التوحيد کما جاء في الآية 62 من سورة البقرة” إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، وهٶلاء کلهم بنظر الاسلام ومن خلال النظرة القرآنية الثاقبة، مسلمون، کلنا مسلمون لله وطريق الله بعدد أنفاس الخلائق، ومن هنا فهناك من أسلم لله بالتوراة والشريعة الموسوية من اليهود ومنا من أسلم لله بالإنجيل وبالشريعة العيساوية ومنا من أسلم لله بالقرآن والشريعة المحمدية ومنا من أسلم لله بالحكمة، فلاتعارض ولاتناقض ولاإقصاء وإنما هناك انفتاح وتقبل للآخر وتعايش سلمي إنساني معه.
*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان