أقلام يورابيا

إيران على موعد مع سيناريو مشابه لسقوط الشاه

د.السيد محمد علي الحسيني

*د.السيد محمد علي الحسيني

 

لئن کان من الممكن القول بأن إيران حاليا بين مطرقة العقوبات الأمريكية الاستثنائية وبين سندان الأوضاع الداخلية بالغة الوخامة، لکن مع ذلك يمکن القول بأن التهديد الداخلي أکبر بكثير على النظام من التهديد الخارجي، خصوصا أن إيران ومنذ سقوط النظام الملکي السابق، قد ركزت جل اهتمامها على العاصمة وبصورة ملفتة للنظر، فيما أعطت اهتماما ثانويا للمدن الكبرى الأخرى، في حين أن مناطق القرى والأرياف قد تم تجاهلها بصورة کلية تقريبا وقد تأکد وتجسد ذلك خلال السيول الأخيرة التي اجتاحت الكثير من المناطق وکان سکان القرى والأرياف الخاسر الأکبر فيها وبيّنت کيف أن إيران ومع امتلاكها إمكانيات مالية هائلة بسبب النفط والغاز ومواد منتجات أخرى، فإنها لم تسع لإرساء دعائم بنية تحتية يعتد بها، ما يعني بأن الحکم في إيران ومن خلال النهج الذي اختطه لنفسه قد هيأ الأرضية والأجواء المناسبة لاضطرابات محتملة قد تکون عارمة وبصورة غير مسبوقة.

 

وفقا لصندوق النقد الدولي.. الاقتصاد الإيراني نحو مرحلة الانكماش  

إن المعلومات الأخيرة التي کشف عنها صندق النقد الدولي بشأن توقعاته عن الاقتصاد الإيراني، هي بطبيعة الحال غير سارة لطهران، کما أنها تثير قلق المستثمرين، خصوصا عندما أعلن بأن معدلات التضخم في إيران قد تقفز إلى نحو 50 في المئة خلال العام الجاري، مرتفعا من 37 في المئة، نتيجة تشديد العقوبات الأميركية على صادرات النفط وهذا يعني أن الاقتصاد الإيراني سيهوي إلى مستويات أدنى حتى من بعض الاقتصاديات الإفريقية، وإن الاقتصاد الإيراني سوف يشهد المزيد من التراجع ولاسيما بعد انتهاء فترة الإعفاءات، کما يجب أن لا ننسى بأن صندوق النقد الدولي قد ذکر أيضا أن الاقتصاد الإيراني وحده سينكمش في 2019 بين جميع دول المنطقة، بما في ذلك اليمن التي من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي فيها بنسبة 2.1% في 2019 و10% في 2020، بعد سنوات عدة من الانكماش الاقتصادي بسبب الحرب الأهلية.

كما يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي لإيران والسودان فقط بين بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2019.

 

آثار العقوبات على طهران تطفو على السطح.. على رأسها تخفيض التمويل لأذرعها

لاريب من أن الرؤى السلبية للاقتصاد الإيراني بعد الإعفاءات الأمريكية للدول الثانية، في تزايد مستمر وأنها ترى بأن الأوضاع ستسوء حيث تضع طهران أمام خيارات أحلاها مر، وإن آثار العقوبات بدأت تظهر حتى على تمويل إيران لأذرعها في بلدان المنطقة والتي تناقلت وسائل الإعلام عدة تقارير فيها معلومات عن تقليصات وتخفيضات غير مسبوقة في العراق ولبنان وسوريا واليمن، بل وإن هناك معلومات أکدتها لنا أوساط مطلعة في العراق، بأن العديد من الميليشيات قد تم تکليفها بتوسيع هيمنتها الاقتصادية الذاتية في العراق والسيطرة على مجالات جديدة غير الموانئ والمنافذ الحدودية والملاهي والبارات والأماكن السياحية وبالطبع تجارة المخدرات، وتضيف هذه المعلومات بأن جانبا من الدعم المادي الذي کانت إيران تقدمه للحوثيين في اليمن سيکون ضمن مهام هذه الميليشيات.

 

اهتزاز ثقة الشارع الإيراني بالنظام الراهن ينذر بثورة وشيكة  

 المعلومات الخاصة الواردة لنا من داخل إيران والتي تتحدث عن غلاء غير مسبوق وأوضاع معيشية بالغة السوء ووجود حالة من اليأس والتشاؤم بين مختلف أوساط الشعب الإيراني، ينذر بحالة هيجان شعبية ستولد تحركا في الشارع الإيراني ضد النظام  والأهم من ذلك أن الشعب الإيراني لا يرى بأن النظام يدير الصراع مع الولايات المتحدة بالصورة المناسبة بل وإن الغالبية العظمى لا تثق بذلك.

 

بعد إدراكها للإستراتيجية الأمريكية ضدها، إيران تبحث عن خيارات لخرق العقوبات

الرئيس الأمريكي ومع إطلاقه للعديد من التصريحات ذات العيار الثقيل کالتي ذکر فيها “محو إيران” ومصطلحات ومفاهيم متشابهة، لکنه في نفس الوقت لا يبدو في عجلة من أمره، فهو قد جعل رهانه الأكبر على العقوبات والضغوط الاقتصادية، ويبدو أن جديته بهذا الصدد تتوضح من المتابعة الأمريكية الدقيقة لمدى الالتزام بها.

الذي يبدو واضحا أن إيران وبعد أن علمت بأساس الإستراتيجية الأمريكية ضدها، فإنها تبحث وبصورة مكثفة في خياراتها المطروحة لخرق هذه العقوبات وإيجاد وخلق مصادر تمنح الاقتصاد الإيراني شيئا من القوة والأمل، مع ملاحظة أن إيران لم تدفع لحد الآن بشيء من احتياطها الوطني من أجل دعم الأوضاع المعيشية للشعب ورفع جانب من الضغوط عنه، في حين أنها قامت بدفع عدة مليارات للحرس الثوري وللأجهزة الأمنية من أجل تسليحهما وتقويتهما.

 

إيران أمام تنازلات موجعة في ظل العقوبات الجديدة

ليس من الصحيح التصور بأن الموقف الإيراني سيبقى بالصلابة الحالية إزاء المطالب الـ 12 التي حددتها واشنطن كأساس للاتفاق الجديد، إذ أن الأوضاع الداخلية تزداد سخونة يوما بعد يوم وإن القادة الإيرانيين يتابعون ذلك بقلق بالغ ومن هنا فإن ما قد ذكره مؤخرا حسام الدين آشنا، مستشار روحاني، من أن الولايات المتحدة إذا أرادت من إيران تنازلات تتجاوز بنود الاتفاق النووي المبرم عام 2015، فعليها تقديم حوافز تتجاوز تلك الواردة في هذا الاتفاق أيضا.

وهذا الکلام يعني ضمنيا بأن إيران موافقة من حيث المبدأ على تقديم تنازلات جديدة، ومع أنها تربطها بحوافز جديدة، لکنها وإذا ما ساءت ظروفها أكثر فإنها قد تدخل تعديلا على الشطر الأخير، حيث تجعله جملة غير شرطية!

 

في مواجهة العقوبات الجديدة.. النظام الإيراني أمام هاجس السقوط الأخير

برأينا بأن أكثر ما يصعب الأمور على إيران ويجعلها تعاني الأمرين من جراء العقوبات، هو الضغوط الداخلية القوية التي باتت تشکل مصدر تهديد کبير لها، حيث يمکن أن ينذر بإعادة سيناريو مشابه لسقوط الشاه في عام 1979، کما أن موقف بلدان المنطقة المتشدد أيضا من إيران بسبب تدخلاتها وسياساتها الأخرى ذات الجوانب السيئة، يشکل هو الآخر قوة ضاغطة على طهران ليس بالإمکان تجاهلها، وإننا نرى بأن مآل الأمور في الأزمة الأمريكية ـ الإيرانية ستحسن الأوضاع الداخلية الإيرانية سواءً بإجبار طهران على تقديم التنازلات الجديدة أو أن يحدث تغيير يکون النظام فيه الخاسر الأكبر!

 

*الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق