أقلام يورابيا

المرأة والاقتصاد… الحياة تحت وطأة قوانين الرجل

*روجدا علي

“كرّمها الدين- المرأة نصف المجتمع- الجنّة تحت أقدام الأمّهات” وغيرها كثير العبارات الّتي تبيّن دور المرأة في تأسيس وتكوين الجماعات البشريّة، في كلِّ اُطرها، إلّا أنّ المجتمع ضدّها!
ولأنّ المرأة تمثّل الجزء الحيويّ في المجتمع إلى جانب الرجل، فيحقّ لها أن تكون جزءاً حيويّاً في العمل والاقتصاد أيضاً وفي المجالات الّتي تُبدع فيها وتُظهر قدراتها. لكن، إذا أخذنا بعين الاعتبار النسب المئوية، نجد أن المرأة يتمُّ تهميشها في كثير الأطر منها الإطار الاقتصاديّ والسياسيّ؛ فبحسب تقرير صادرعن معهد غالوب الأمريكيّ، فإنّ مشاركة المرأة اقتصادياً وسياسيّاً في منطقة الشرق الأوسط وصل إلى 8 في المئة، وبالتالي فإنّ الرجل يحظى بالنسبة الباقية رغم أنّه الأقليّة الجنسيّة أمام الأكثريّة النسائيّة.
والحال أنّ الرجل في المجتمعات الشرقيّة، يُقصي المرأة من الحياة الاقتصاديّة، بشكل مباشر وغير مباشر؛ ويحقّ عليه الاستفسار: من أين يستمدّ الرجل هذا الخوف؟ وما سببه؟. وكلّ ذلك نؤسِّس لفرضياته، اعتماداً على المعوّقات التي تواجه المرأة في المجتمع، وصولاً لنسب العمل والتوظيف والأجور والمناصب السيادية، والمسائل المتعلقة بالشريعة الدينيّة والميراث.
غير ذلك؛ الفوارق الكبيرة بمعدلات التوظيف، تجد معدلات الرجال في دول الشرقيّة في المجالات الاقتصادية تتزايد، وبشكل كبير، عن معدلات النساء، رغم أن كلّ هذه الدول تكون نسبة الإناث ضعفي نسبة الذكور، في الحدود الدنيا.
غالباً، فإنّ كثير حالات العنف لدى الجماعات البشريّة ضدّ النساء في الشرق الأوسط، والّتي تظلّ في الكتمان أغلب الوقت، والتوجّس من الطلاق، يعود إلى غياب القدرة الماديّة لدى المرأة، والدخل الشهريّ المستقل، الّتي يمكن أن يساعدها في أن تتخذ قرار الطلاق. وهكذا، فإن المرأة تظلّ تحت وطأة تسلّط الرجل، واستبداده.
من نافلة القول، إن وجود مقومّات الاستقلال الاقتصاديّ لدى المرأة في المجتمع، سيحقّق توازناً بينهم، وسيعدّل من تفّهم الحقوق والواجبات المقسّمة بينهم وفقاً لقدراتهم لا جنسهم.
وحتّى في المؤسسات التي يمكن أن يتوافق فيها تواجد الموظفات النساء بشكل جيد، فإن المراكز السيادية في تلك المؤسسات تكون تحت سطوة الرجل، والمرأة غالباً ما تحصل على مناصب إدارية غير مؤثِّرة؛ وفي كلتا الحالتين فإن المناصب تكون ملكاً للرجل والمتضرّر من التمييز هي المرأة.
ولم تقدم قوانين الأحوال الشخصيّة الحقّ في استقلالية المرأة الاقتصادية، ذاك أن قوانين الأحوال الشخصية تستمد شرعيتها من الدين الإسلاميّ، وفي الميراث، يقول الدين أن “للذكر مثل حقّ الأنثيين”، ورغم الإجحاف في ذلك، إلا أنه حتى المرأة الّتي تطالب بحظّها من ميراث والدها، فإنّ قيمة الميراث، عقاراً وأموالاً، تسجّل في ملكيّة زوجها أو ابنها، وبالتالي فإن الميراث يتحوّل من رجل إلى رجل.
وبهذه الطريقة يصبح حقّ الملكيّة العمليّة حكراً على الرجل وحده، ولا تتمكّن المرأة من الدخول في عوالم اقتصاد المجتمع وبناء مشروعها الخاص والمستقلّ.
ولا تبدو أنّ الاتحاد الأوربي والدول الغربيّة بأفضل حال، رغم أنّها تلبس عباءة التحرّر من استبداد الرجل على مفاصل الحياة. رُبما كان الحال أفضل في السنوات الأخيرة، إلا أن نسبة المستحقّات الماليّة والأجور بالمقارنة بين الرجل والمرأة تدّل على أن الرجل لا يزال يتفوق في قيمته الوظيفيّة على المرأة. تقول بعض التقارير الدوليّة إنّ المرأة تحصل على أجر أقل من الرجل بنسبة تصل أحياناً إلى 24 في المئة؛ إذن، الحال ذاته، لكن بصورة أكثر تحضّراً وتطوراً.
وعليه، فإن كيفية الحدّ من هذه الظاهرة تحتاج إلى بيان صريح، تعطي المرأة حقّها في الملكيّة الفرديّة، والتساوي في فرص العمل، وفقاً لمبادئ فوق دستوريّة تُجبر المؤسَّسات الرسميّة وغير الرسميّة في توفير فرص العمل ومنحها للمستحقّ الكفائي
غير ذلك، فإنّ وجود دولة مدنيّة علمانيّة، تُقصي الأدوار الدينيّة في إدارة الدولة، وتمنع اعتبار الشرائع السماويّة المصدر التشريعيّ لقوانين الأحوال الشخصيّة، الّتي يمكن أن تزيل الصور النمطيّة المفروضة على المرأة، يمكن أن تكون من العوامل التي تزيد من فرصة الوصول إلى اقتصاد تشاركي ومستقل فرديّاً.
تالياً، فإنّ الضغط باتجاه حرمان المرأة بهذا الشكل المباشر وغير المباشر في الحياة الاقتصاديّة، هو شكل من أشكال العنف لا يقلّ وطأة عن باقي الأشكال، إن لم يكن من أسوأها ومؤسِّسها. كما إن هذه الفوارق الطبقيّة ضمن الجماعة البشرية الواحدة وضمنها الفروقات في الإجور والفرص ما هي إّلا طريقة، تُسلب المرأة استقلاليتها المادية وإجبارها في أن تكون ضمن زاوية اللجوء للرجل بشكل مستمر.
* إعلامية كرديّة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق