السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
ماذا وراء تمسك حركة النهضة بالتوافق مع حزب نداء تونس؟
– تونس – تتمسك حركة النهضة الإسلامية بالتوافق مع حزب نداء تونس ومع مؤسسه رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي، وأصر رئيس الحركة راشد الغنوشي في لقائه الأخير على استمرارية التوافق نؤكدا أنه ضرورة لاستكمال مسار الانتقال الديمقراطي في حين جدد النداء على انتهاء التوافق. للمسألة علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2019 فكلا الطرفين يحاول التنصل من تحمل مسؤولية الفشل الحكومي في إدارة البلاد وكلاهما يسعى لضمان حظوظ أوفر للفوز بالانتخابات المقبلة.
يثير تمسك وإصرار حركة النهضة على استمرار التوافق مع حزب نداء تونس تساؤلات عديدة حول دوافعه الحقيقية. هل للمسألة علاقة بانتخابات 2019 فقط أم أن هناك أهدافا ظرفية ومستقبلية أعمق من ذلك؟ وأبعد من المعلن؟
إثر اللقاء الأخير بين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أكد رئيس حركة النهضة، على “حاجة البلاد إلى الحوار وتهيؤ الجميع لوضع تونس على سكة الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة”. وأوضح الناطق الرسمي باسم الحركة، عماد الخميري أن الغنوشي عبّر كذلك عن “حاجة تونس إلى التوافق وخاصة إلى الانسجام بين مؤسسات الدولة والتمسّك بنهج الحوار والتشاور مع رئيس الجمهورية”.
في المقابل نشر حزب نداء تونس، بلاغا توضيحيا بخصوص لقاء ذ السبسي والغنوشي وأكد فيه أن الموقف الرسمي من حركة النهضة يبقى إنهاء التوافق كما صرح رئيس الجمهورية منذ الحوار التلفزي مع إحدى القنوات الخاصة يوم 24 سبتمبر المنقضي”.
واعتبر حزب نداء تونس في بلاغه أن الحكومة الحالية (بقيادة يوسف الشاهد الذي جمدت الهيئة التنفيدية للحزب عضويته في الحزب)، ” هي حكومة حركة النهضة وعليه فإن الحزب غير معني بدعمها سياسيا وإن التوافق الذي تم العمل به بين رئيس الجمهورية وحزب حركة نداء تونس من جهة وحركة النهضة من جهة أخرى منذ انتخابات 2014 يعتبر منتهيا”.
وكان مجلس شورى حركة النهضة قد اجتمع على مدى على مدار يومين قبل التقاء الغنوشي بالسبسي وأصدر في ختام اجتماعه بيانا أكد في إحدى نقاطه على “على تثبيت التوافق والتشارك خيارا استراتيجيا يشمل كافة القوى الوطنية من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وإنجاز الإصلاحات ومقاومة الفساد والسير بالبلاد نحو الانتخابات في موعدها المحدد وفي أحسن الظروف”.
كما دعا المجلس “إلى الحفاظ على علاقة إيجابية مع رئيس الدولة ومواصلة التفاوض مع رئيس الحكومة لاستكمال الشروط الضرورية للشراكة مع الحرص على إيجاد علاقة بناءة مع اتحاد الشغل”.
وكان رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي قد أعلن في حواره التلفزي أن “التوافق بينه وبين حركة النهضة انتهى وانقطع بطلب من الحركة وبسعي منها وبطلب منها لإنهاء التوافق”. ولعل الحركة تتحرك اليوم في شتى الاتجاهات لنفي هذا القول محاولة عبر اللقاء الأخير لرئيسها مع الرئيس الباجي قائد السبسي بوصفه رئيسا لجمهورية ومؤسس لحزب نداء تونس التأكيد على أنها لم تطلب إنهاء التوافق بين الطرفين وهو ما دأب على تأكيده جل قياديها والناطق الرسمي باسمها في مختلف تصريحاتهم ولقاءاتهم في وسائل الإعلام التونسية.
وتقول بعض القراءات السياسية بأن هذا الموقف ذي الوجهين لحركة النهضة بين ما قدم من طرفها من رسائل للرئيس وبين ما قيل مرارا وتكرارا بعد إعلانه القطيعة بينه وبين حزب النداء مع حركة النهضة يندرج ضمن خطط حركة النهضة التي تستهدف أولا مزيد اضعاف صورة رئيس الجمهورية ومن ورائه حزب نداء تونس لدى الرأي العام الداخلي والدولي (في حال تم التراجع عن موقف القطيعة مع الحركة) وثانيا الترويج لفكرة أن حركة النهضة تتمسك بالديمقراطية وبالمسار الانتقالي وتدافع على المصلحة الوطنية العليا وعلى مصالح المواطنين من خلال تمسكها بالتوافق مع النداء بالرغم من معرفتها وإدراك الجميع بأنها الطرف السياسي الأقوى في المشهد السياسي التونسي الراهن.
ويرى مراقبون أن الحركة تعمل أولا في إطار تمش واضح يستهدف الفوز بالانتخابات المقبلة في العام 2019، وأنها تسعى للحفاظ على الوضع السياسي الحالي الذي يخدم مصلحتها ويسمح لها بمزيد من الاستقرار وبحماية سياسية لأكثر وقت ممكن تحت مظلة التوافق مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ما يسهل عليها مزيد العمل على مشروعها الانتخابي مع السيطرة على دواليب السلطة من البرلمان إلى الحكومة إلى رئاسة الجمهورية وجميعها مؤسسات تحاول توظيفها لخدمة صورتها لدى الرأي العام المحلي والدولي ولاستقطاب جمهور انتخابي أكبر عدديا.
أما الأهداف بعيدة المدى فترتبط بمرحلة ما بعد الفوز بانتخابات 2019 والتي من شأنها إن نجحت في تحقيق الأهداف القريبة والظرفية أن تمكنها من مفتاح الحكم والتربع على عرش السلطة.
ويؤكد المراقبون أن التمسك النهضوي بالتوافق يعزى إلى سببين رئيسيين؛ الأول وعي النهضة أنها غير قادة على حكم البلاد بمفردها، سواء على مستوى عجزها عن وضع برامج اقتصادية واجتماعية تمثل حلولا لمشاكل البلاد. أما السبب الثاني فهو سياسي مباشر وينبع من وعي النهضة بأنها غير قادرة على امتلاك أغلبية برلمانية تتيح لها تمرير القوانين والمشاريع، فضلا عن كونها تتخوف من تحمل مسؤوليات الحكم بمفردها.
يضاف إلى هذه الأبعاد المشار إليها حالة العزلة السياسية التي تعانيها مؤخرا بعد الندوة الصحافية التي عقدتها لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهي الندوة التي كشفت صلة قياديين في حركة النهضة بالاغتيالين، وكشفت أيضا التنظيم الخاص داخل الحركة. هذه العزلة السياسية واحتمالات تحول القضية إلى أروقة المحاكم، جعلت النهضة توقن بأنها تحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى “حليف” قوي يخفف عنها الأعباء ويتقاسم معها المسؤوليات السياسية. ذلك أن العزلة المشار إليها تتزامنُ مع انهيارات كثيرة طالت كل تفاصيل الوضع في تونس، الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.