تحقيقات
غموض الوضع السياسي يثير مخاوف من الانهيار الاقتصادي في السودان
ـ الخرطوم ـ انخفضت مبيعات المراكز التجارية الخمسة التي يملكها رجل الأعمال السوداني هاشم أبو الفاضل بنسبة تصل إلى 40 بالمئة على وقع الاضطرابات السياسية بالسودان، وهو يخشى وآخرون أنّ يؤدي استمرار الغموض السياسي الى انهيار اقتصاد بلاده.
وشهد السودان توترات كبيرة منذ السادس من نيسان/أبريل، تاريخ بدء اعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة مطالبا بالإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير. وأطاح الجيش السوداني في 11 نيسان/أبريل بالبشير، وتسلم المجلس العسكري الحكم منذ ذلك الوقت. لكن اعتصام المحتجين استمر للمطالبة بتسليم الحكم للمدنيين قبل أن يتم فضه بالقوة في الثالث من حزيران/يونيو، ما تسبب بسقوط عشرات القتلى.
وبعد وساطة مكثفة من الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا، وقع قادة الجيش والاحتجاج بالأحرف الأولى الأربعاء اتفاقا لتقاسم السلطة. لكن الاضطرابات المستمرة منذ كانون الأول/ديسمبر الفائت تركت آثارا سلبية على اقتصاد البلاد.
ويقول أبو الفاضل لوكالة فرانس برس في مكتبه بالخرطوم “انخفضت المبيعات إجمالا من 20 إلى 25 بالمئة وبنسبة تصل إلى 40 بالمئة في قطاعات محددة في نشاطي التجاري” لبيع المنتجات المنزلية والأثاث المكتبي.
ويملك أبو الفاضل خمسة مراكز تجارية في العاصمة باستثمارات يصل حجمها إلى مليون دولار. ويعتمد في غالبية نشاطه على الاستيراد. وقد عمد أخيرا إلى شراء بضائع أقل سعرا أو وقف الاستثمار في البضائع غير الأساسية.
ويؤكد أن “حجم الاستيراد عموما تراجع. وأوقف عدد كبير من التجار الاستيراد”.
ويشير الى أنه في ظل عدم وجود حكومة “تعلن سياستها الاقتصادية، أنا كمستثمر لا أستطيع اتخاذ القرار في حالة الغموض الحالية”.
ويتفق معه رجل الأعمال محمد حسين مضوي الذي يملك شركات في القطاعين الزراعي والصناعي توزع الورق والبلاستيك. ويقول “بسبب ضعف الإقبال وتراجع قيمة الجنيه، خفضتُ نسبة الاستيراد ما بين 20 إلى 30 بالمئة”، مشيرا الى أن الحركة “شبه متوقفة”.
وفقد الجنيه السوداني حوالى 70 بالمئة من قيمته منذ نهاية 2018 في السوق السوداء. وبلغت معدلات التضخم 47,78 بالمئة في حزيران/يونيو الماضي بعد أن وصلت إلى 73% في كانون الأول/ديسمبر، حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
وتقول هنادي محمد، وهي أم لسبعة أطفال بينما تتسوق في مركز أبو فاضل في شمال الخرطوم “لا أستطيع الشراء لأنه لا توجد سيولة. ولا أعرف كم من الوقت يمكن أن نعيش هكذا؟”، فيما تتكدس أدوات منزلية على الرفوف رغم الحسومات الكبيرة.
ورغم عودة الحياة لطبيعتها في الخرطوم وفتح المحال التجارية أبوابها مجددا، يلاحظ تراجع الإقبال وضعف حركة البيع والشراء في الأسواق.
ويقول عماد بابكر، وهو ربّ عائلة، فيما يدفع بعربة تسوق خاوية أمامه، “الأسعار تضاعفت ثلاث مرات منذ نهاية 2018. نذهب فقط للمحال التي تعلن عن حسومات، لكنّ قدرتنا الشرائية ضعيفة جدا”.
واندلعت التظاهرات أساسا في السودان احتجاجا على رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، قبل أن تتحول سريعا الى حركة احتجاج ضد البشير.
ويقول الصحافي الاقتصادي البارز خالد التيجاني إنّ “الحركة التجارية تعمل في الحد الأدنى أساسا منذ كانون الثاني/يناير الفائت”، مشيرا الى أن هناك قطاعات لا تزال تعمل مثل “الكهرباء والوقود والمواد الغذائية، لكن لو استمر الوضع الحالي حتى هذه الأشياء لن تكون موجودة”.
وينقطع التيار الكهربائي في شكل متكرر ولساعات طويلة منذ بداية العام الجاري.
ويتابع التيجاني “يعاني الاقتصاد من حالة عدم يقين بسبب عدم وجود سلطة تهتم بالاقتصاد”.
مخاوف من “انهيار اقتصادي”
وسيواصل الجيش وقادة الاحتجاج التفاوض من أجل الاتفاق على وثيقة تشكل الإطار الدستوري وهي تتضمن مسائل خلافية عدة، ما يعني تواصل حالة الغموض السياسي على المدى القصير.
وأنهكت العقوبات الأميركية المفروضة على الخرطوم منذ 30 عاما الاقتصاد المتداعي أساسا.
ويقول أبو الفاضل “رغم الثورة والضغوط، فالوضع الاقتصادي ليس أسوأ مما كان (قبل سقوط البشير). لكن إذا استمرت حالة الترقب والغموض فالاقتصاد سينهار”.
ويعبر مضوي من جهته عن خشيته من “انهيار الجنيه وتضاعف التضخم إذا استمر الجمود الحالي”.
ولا يعرف على وجه التحديد حجم احتياطي النقد الأجنبي الحالي في السودان. ويستنزف الاقتصاد السوداني المعتمد على الاستيراد والذي يعاني عجزا في الميزان التجاري منذ سنين، هذا الاحتياطي. وتراكمت الديون الخارجية إلى أكثر من 55 مليار دولار.
وأعلنت السعودية والإمارات في نيسان/أبريل تقديم حزمة مساعدات للخرطوم، قدرها ثلاثة مليارات دولار تشمل 500 مليون دولار كوديعة في المصرف المركزي لتقوية مركزه المالي، على أن يصرف باقي المبلغ في صورة أغذية وأدوية ومشتقات نفطية.
الحل “اتفاق سياسي”
وتشكل الزراعة قطاعا رئيسيا في الاقتصاد السوداني ومصدرا رئيسيا لدخل غالبية سكانه البالغ عددهم نحو 40 مليونا. وألقت الأزمة الحالية بظلالها على الزراعة، إذ تعذر استيراد المواد الزراعية من أسمدة ومبيدات.
والأحد، أرسلت السعودية والإمارات أكثر من 50 ألف طن من المغذيات الزراعية واحتياجات المزارعين لإنقاذ الموسم الزراعي بالسودان، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
وقال مستورد المواد الزراعية فيصل محمد “حجم كل الواردات انخفض لعدم توافر العملات الأجنبية. وإذا توفرت نصطدم بانخفاض قيمة الجنيه وبالتالي ارتفاع سعر المنتجات وإحجام المشترين، هو ما يؤثر سلبا على العملية الزراعية”.
ويعبر رجال أعمال ومستثمرون سودانيون عن أملهم في أن ينهي التوصل لاتفاق سياسي حالة الغموض الاقتصادي.
ويقول أبو الفاضل “الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري و(تحالف) الحرية والتغيير هو المخرج الوحيد للوضع الاقتصادي الحالي”.
فيما يأمل مضوي في استكمال “الاتفاق السياسي لتفادي سيناريو الانهيار الاقتصادي”. (أ ف ب)