أقلام يورابيا
عن تصدير إيديولوجية الثورة الخمينية وأبعادها في استهداف الدول العربية
د.السيد محمد علي الحسيني
*د.السيد محمد علي الحسيني
أهم وأخطر ملاحظة نود إيرادها في بداية مقالنا، هو أن الثورة الإيرانية وبعد إسقاطها لنظام الشاه، أظهرت نواياها للتوسع العقائدي ـ السياسي على حساب البلدان العربية بصورة عامة وقد أثبتت تقارير المعلومات حينها بأن إيران في عهدها الجديد قد أعدت مشروعا “اختراقيا” ضد البلدان العربية تحديدا، لکن عندما نسترجع الدور والموقف والمبادرة العربية إزاء هکذا مشروع ليس خطير فحسب وإنما مميت، فإننا لانجد هناك أي خطة أو مشروع عربي متکامل لمواجهة ذلك المشروع.
إقحام إيران في الشؤون العربية أكبر خطأ وقع فيه العرب
المشکلة والالتباس الکبير الذي وقع فيه العرب وارتد عليهم سلبا، هو أنهم تعاملوا مع الحالة الإيرانية کما يتعاملون مع بعضهم البعض، بل وحتى أن بعض البلدان العربية قد ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أقحمت الأنف الإيراني في الخلافات العربية ـ العربية کما فعل حافظ الأسد ومعمر القذافي، لکن لا الأسد ولا القذافي کانا يعلمان بأن المنشار الإيراني سيطال بلدانهم بصورة وأخرى، والأنکى من ذلك أن معظم البلدان العربية کانت تتصور بأنه سيتم في يوم ما وضع حد للدور الإيراني وطي الصفحة وعقد جلسة مصالحة(کما تفعل الدول العربية عندما تحل خلافاتها مع بعضها)، وهم بذلك تجاهلوا ثلاثة أمور بالغة الخطورة هي:
الأول: إن لإيران مشروع عقائدي لايمکن أن تنهيه إلا بتحقيقه”أو بسقوطه کنظام” وهذه حقيقة صارت الآن ماثلة للعيان.
الثاني: المشروع الإيراني کان ولايزال يعتبر الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية عقبة بوجهه وهو يريد أن يهمش أو حتى يقضي على الدور السعودي الريادي إسلاميا وعربيا وينهي مرجعيتها، لأنه ومن دون السيطرة على الحرمين الشريفين اللذين يعتبران رمزا أساسيا فإنه لن يکون له أية قوة وسلطة روحية حقيقية لهم على العالم الإسلامي.
الثالث: إن هناك مصالح واعتبارات دولية تقوم بتوظيف واستغلال الدور الإيراني لأهداف وغايات محددة قد لاتتفق بالمرة مع مصالح واعتبارات البلدان العربية وحتى مع الأمن القومي العربي.
منذ تأسيسه… مشروع إيران يلعب على الوتر العقائدي
الحديث عن تصدير الثورة لخارج إيران، لم يکن إلا نقطة الانطلاق العقائدية الأولى للمشروع الإيراني في البلدان العربية والتي کما يبدو أن العرب لم يتمکنوا من إجهاضها ورد کيدها إلى نحرها، ذلك أن نقطة الانطلاق هذه لم يکن الشيعة العرب معنيين بها فقط کما تصورت معظم البلدان العربية بل إن الترکيز کبداية وهذا مايجب الانتباه إليه جيدا هو العمل من أجل تهميش أو إنهاء الدور العربي ومن هنا کان تحرك إيران على حرکة الإخوان المسلمين وعلى أي تنظيم أو تحرك مضاد للسنة العرب وجدير بالذکر أن إيران وبشکل خاص خلال الأعوام الأولى قامت بمد جسور التعاون والتنسيق مع علماء ومفکرين وکتاب من أهل السنة في مختلف البلدان العربية وفعلا نجحت في جعلهم يساهمون في إضفاء المزيد من التهويل والمبالغة عليها کحاملة للواء الإسلام ومدافعة هصورة عن القضية الفلسطينية وقضايا أخرى مماثلة، وهناك عدد کبير من الکتاب والمفکرين السنة الذين يتهافتون في دفاعهم عن إيران وتجميل صورتها لحد الآن، على الرغم من أن أصواتا شيعية صارت ترتفع وهي تشکو وتتبرم وترفض الدور الإيراني في بلدانها وتطالب بإنهائه.
جسور العلاقة التي مدتها إيران مع الإخوان في البلدان العربية عموما ومصر وبلدان الخليج خصوصا، کان لها دور وتأثير مهم في التغطية ولو إلى حين على التدخلات الإيرانية في بلدان المنطقة وتماديها إلى حد القيام بعمليات تغيير ديموغرافية بما يمکن وصفه بتهديد جدي للأمن الاجتماعي العربي، لکن الإخوان وغيرهم ولأسباب تتعلق بتغليب مصالحهم واعتباراتهم الحزبية لم يلتفتوا إلى ذلك وظنوا بأن الأمر سيقتصر على البلدان التي يتواجد فيها الشيعة العرب، لکن وکما حدث فإن وصول”التشيع العقائدي”-الذي تقوم به خلايا تابعة لإيران في بلدان عربية سنية- إلى المغرب العربي والسودان بل ومصر نفسها، بين أن المشروع الإيراني في نهايته سيجتاح الجميع ولايترك أحدا بسلام.
ولاريب من أن الغزو العقائدي الذي قامت به إيران ضد الشيعة العرب، قد اعتمد بالأساس على عوامل ونقاط ضعف عربية في التعامل مع الشيعة العرب واستيعابهم بالصورة المطلوبة، إذ لايجب أن نتهرب من حقيقة أنه کان هناك اعتقاد بين الشيعة العرب بأنهم مهمشون في بلدانهم لاعتبارات طائفية، وهو الباب الذي دخلت منه إيران بمشروعها المشبوه، لذلك يجب أن لايفوتنا أبدا أن إيران عندما بدأت بتطبيق مشروعها على الشيعة العرب، فإنها قد قامت بتخصيص إمکانيات مادية هائلة لذلك، بصورة توحي للشيعة العرب وبکل وضوح أن إيران باقية إلى الأبد، وإن مراجعة ما قد قامت به إيران في لبنان واليمن ومن ثم العراق وسوريا، يدل على ذلك بوضوح وأن إيران کانت تقصد وتعني حرفيا کل ماتفعله، والآن هناك جيوش متجحفلة للشيعة العرب الذين أعدتهم إيران عقائديا وعسکريا لمواجهة بلدانهم أو أي طرف آخر يقف بوجهها، ويجب ملاحظة أن المشروع الإيراني يتحرك بطرق مختلفة من أجل تحقيق أهدافه و لغسل أدمغة الشيعة العرب بفکر نظرية ولاية الفقيه، فقد تم تجنيد العديد منهم من أجل إيجاد حجة عقدية للتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وهو أمر يستحق الكثير من التدقيق والبحث والملاحظة.
تغول إيراني ناتج عن تقصير عربي في مواجهة مشروع الولي الفقيه
ما الذي أوصل المشروع الإيراني إلى المنعطف الحالي؟ قطعا المسألة تتعلق بتقصير وأخطاء وعدم جدية في مواجهة هذا المشروع، عربيا على وجه العموم ، لذلك من المفيد أن نذكر أهم الأخطاء التي يمکن تسجيلها على الدول العربية في مواجهة المشروع الإيراني وهي:
ـ الدول العربية والخليجية منها ظلت لسنوات طويلة تتعامل مع المشروع الإيراني بطريقة مرنة ولينة کانت تعتمد فقط على تحصين نفسها ولم تکن تعلم بأن الحفر من حولها سيٶثر عليها في النتيجة کما جرى في العراق واليمن.
ـ الدول العربية لم تنتبه جيدا إلى طريقة وأسلوب إيران في استهدافها للشيعة العرب وجعلهم مادتها الرئيسية في تنفيذ مشروعها ولم تبادر للقيام بخطوات عملية من أجل تقويض المساعي الإيرانية بهذا الصدد، فقد صارت هناك قنوات إعلامية شتى تحرکها إمكانيات مادية ضخمة تقوم بالتبشير والدعوة للمشروع الإيراني علنا، والبلدان العربية عموما ترکت الشيعة العرب لإيران کي تسرح وتمرح بهم كما تشاء ولم تتحرك في ضوء برنامج إسلامي ـ عربي ـ وطني مضاد.
ـ الدول العربية اعتمدت أکثر على العامل الدولي في لجم التمدد والتوسع الإيراني ونأت بنفسها عن التعويل على العامل الداخلي الذي لو کانت الدول العربية قد حصلت عليه کورقة في يدها لکان الحال مختلفا الان 100%،لکنها لم تقم مثلا بکسب واحتواء تيارات شيعية عربية مضادة ورافضة للمشروع الإيراني ولم تقم بدعمهم بالشکل والصورة المطلوبة حتى يصبحوا في مستوى التصدي للمشروع وإنهاء تغلغله في الجسد الشيعي، وحتى يمکننا القول بأن الدعم العربي للتيارات الشيعية الرافضة لمشروع ولاية الفقيه والمناعة له کان فخريا وتقليديا في معظم الأحوال ولم يکن في مستوى عمل ممنهج للتصدي لتهديد بالغ الخطورة.
استراتيجية مهمة لا بد للدول العربية اتباعها في مواجهة الدور الإيراني
إزاء كل ما أسردناه، ماهو المطلوب من الدول العربية لکي تحد من الدور الإيراني وتواجهه خصوصا بعد أن صار واضحا أن الإدارة الأمريکية تسعى لحل الإشکالات مع إيران عن طريق طاولة المفاوضات ويجب على السعودية أخذ هذه المسألة على محمل الجد وعدم تکرار ماحدث في عهد أوباما، وإننا نرى أن المطلوب من غربيا کي تواجه الدور والمشروع الإيراني مايلي:
ـ ضرورة تبني التيارات الوطنية المعتدلة للشيعة العرب من المناهضين والرافضين للمشروع الإيراني والداعين إلى مواجهته ودعمهم بصورة واسعة النطاق وليس فقط الاکتفاء بدعمهم أدبيا کما يجري حاليا خصوصا من حيث تبنيهم سياسيا وتوفير کل المستلزمات المطلوبة بهذا الصدد.
ـ الضرورة الملحة لوجود قنوات إعلامية (تلفزيون، صحافة، مواقع على الانترنت) للشيعة العرب الرافضين للمشروع الإيراني وإن لاتقل في مستواها وحجم دعمها عن تلك التي تمولها إيران حاليا.
ـ ضرورة وأهمية التأسيس لکتاب ومفکرين من أوساط الشيعة العرب المناهضين للمشروع الإيراني لکي يدحضوا الأفكار السامة التي تضخها القنوات التابعة لإيران بهذا الخصوص لتسميم أفكار الشيعة العرب.
ـ ضرورة العمل من أجل کسب واستدراج عناصر قيادية من الشيعة العرب وتسليط الأضواء عليهم وعلى تجربتهم مع إيران کما يجب التركيز أيضا على عناصر أخرى تبرأت من المتعاملين مع إيران.
ونحن نراهن أن الدول العربية لو اتبعت هذه الاستراتيجية في مواجهتها للدور والنفوذ الإيراني حتما ستنهي هذا الوجود من جذوره، فالبحث عن النقاط الحساسة التي يتركز عليها هذا الأخطبوط المتغلغل في منطقتنا وضربها من جهة وتفويت الفرص على استغلال الثغرات الموجودة في وطننا من جهة أخرى سيضع حدا للمأساة التي وصلنا إليها نتيجة هذا التسونامي الذي أفسد ونفث سمومه الطائفية وزعزع الأمن والاستقرار الذي كانت تنعم به بلداننا.
*الأمين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان