الحبيب الأسود
السباق الرئاسي في تونس يعد بالكثير من التشويق والغموض، ومنذ أن أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمة الأولية للمقبولين والتي تضم 26 من بين 97 مرشحا، بدأ المحللون سبر أغوار المنافسة المنتظرة وما قد تفرزه من نتائج، نظرا لطبيعة المرحلة الحالية وخصوصيات الصراع السياسي الذي تعرفه البلاد منذ عام 2011، والتوازنات التي تطرح نفسها في المشهد العام، وتعكس في جانب مهم منها ما يدور على مستوى الإقليم والعالم.
أول ما يمكن استنتاجه من قائمة المقبولين لمنافسات 15 سبتمبر القادم، تشتت الأسر السياسية الرئيسية في البلاد، وعدم إجماع كل منها على مرشح واحد يمكن أن يكون الجواد الرابح في السباق نحو قصر قرطاج.
الإسلاميون يتقدمون بعدد من المرشحين، على رأسهم عبدالفتاح مورو أحد أبرز مؤسسي حركة النهضة، والشخصية الجدلية التي كانت انفصلت عن الحركة أوائل تسعينات القرن الماضي، قبل أن تعود بمبادرة خاصة من راشد الغنوشي لتلوين صورة الحزب العقائدي الذي ينحدر أغلب قياداته من المناطق الداخلية، بوجه مقبول لدى العائلات التقليدية في العاصمة.
لكن مورو يجد نفسه في منافسة أحد شباب الحركة المتمردين على الغنوشي وهو حاتم بولبيار الذي فاجأ الجميع بترشحه عبر توفير تزكيات 11 نائبا، وبقبول ملفه، والذي يعتبر ترشحه ذا رمزية بما يمثله من روح الاختلاف الموجود لدى جيل جديد من الإسلاميين لم يعد قابلا بهيمنة الغنوشي والمقربين على الحركة، وكذلك بترشيح مورو الذي جاء ليقطع حبال التوافق التي طالما تمسك بها إخوان تونس طيلة السنوات الماضية لممارسة الحكم من وراء حجاب.
الإسلاميون سيخوضون الانتخابات بمرشحين آخرين غير منتمين لحركة النهضة ولكنهم لا يختلفون عنها عقائديا، من بينهم حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأولى في عهد الترويكا، الذي استقال من الحركة في 2014 دون أن يتخلى عن مواقفه المرتبطة بمشروع الإسلام السياسي، وكذلك منصف المرزوقي الذي وإن كان مرشحا عن تحالف “تونس أخرى” إلا أنه يخاطب قواعد النهضة بخطاب راديكالي منخرط في التحالف القطري التركي الإخواني، ويجد صداه لدى النهضويين الذين يرون أن التحفظ السياسي وتوافقات الحكم أضرّا بحركتهم، والذين كانت أغلبيتهم قد صوّتت للمرزوقي عام 2014 متحدية القيادة الإخوانية التي دعتهم خلال الدور الثاني للتصويت للباجي قائد السبسي.
كذلك هناك سيف الدين مخلوف محامي الجماعات المتشددة والذي يعتبر من الثوريين الراديكاليين الذين يؤمنون بالتغيير الجذري والاجتثاث التام لنظام دولة الاستقلال، والذي يحمل معه شعارات مجالس حماية الثورة المنحلة بحكم القضاء. وقيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري المتقدم في نتائج استطلاعات الرأي والذي يجد دعما من القاعديين الإسلاميين بمختلف تياراتهم بما في ذلك حزب التحرير والجماعات السلفية، وصولا إلى الهاشمي الحامدي الإخواني السابق، والذي يتزعم حاليا حزب تيار المحبة، وهو ممن يزايدون على إسلاموية النهضة بخطاب ديني يثير تعاطف جانب من العامّة.
العائلة الثانية التي يبرز تشتتها في سباق الانتخابات، هي العائلة التي تصف نفسها بالتقدمية الحداثية البورقيبية، والتي مثلها نداء تونس في انتخابات 2014، لكن اليوم تشهد بروز ستة مرشحين منحدرين من النداء، هم رئيس الحكومة يوسف الشاهد زعيم حركة “تحيا تونس”، ومحسن مرزوق الذي كان رئيس الحملة الانتخابية لقائد السبسي في 2014، ويتزعم حاليا حزب مشروع تونس، وسعيد العايدي وزير الصحة الأسبق ومرشح حزب “بني وطني”، وسلمى اللومي التي كانت وزيرة السياحة ثم رئيسة الديوان الرئاسي وتقود حاليا حزب “الأمل”، وناجي جلول الذي كان وزيرا للتربية ثم مديرا لمعهد الدراسات الاستراتيجية، ويتقدم للانتخابات كمستقل، ثم نبيل القروي الذي كان أحد الفاعلين في النداء والمقربين من السبسي قبل التخلي عن الحزب ليبتعد عن الشأن السياسي ليعود كشخصية مثيرة للجدل من خلال قناته التلفزيونية وجمعيته الخيرية وحزبه الجديد “قلب تونس”، فسليم الرياحي الذي كان حزبه الاتحاد الوطني الحر قد دخل في تجربة “وحدة اندماجية” مع نداء تونس، لم تستمر طويلا.
المثير أن نداء تونس قرر أن يدعم مرشحا لم يسبق له الانخراط في صفوفه، وهو وزير الدفاع المستقيل عبدالكريم الزبيدي الذي يخوض السباق مستقلا. ومن داخل تلك الأسرة ذاتها يبرز مرشح آخر وهو مهدي جمعة، زعيم حزب البديل، الذي كان شغل منصب رئيس الحكومة الكفاءات المستقلة عام 2014، كما تظهر في الصورة عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر الذي يقدم نفسه على أنه وريث الحزب الأعرق في تونس وهو الحزب الدستوري الذي تأسس عام 1920 على يد عبدالعزيز الثعالبي وتشكل في صورته البورقيبية عام 1934 تحت اسم الحزب الحر الدستوري، ليخوض معركة الاستقلال، ثم بناء الدولة، وليتحول في عهد زين العابدين بن علي إلى التجمع الدستوري الديمقراطي الذي تم حله قضائيا في مارس 2011.
الطيف اليساري ضربته الانشقاقات، حيث يتقدم حمة الهمامي زعيم حزب العمال مرشحا عن ائتلاف الجبهة الشعبية في نسخته الأصلية، في منافسة مع منجي الرحوي المرشح عن حزب يحمل هو الآخر اسم الجبهة الشعبية، وكذلك عبيد البريكي النقابي الذي يمثل ائتلاف الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي.
في هذا الخضم ستتوزع الأصوات وتتبعثر طموحات الناخبين، ليصبح المرور إلى دور ثان أكثر من مؤكد، ولكن بأقل نسب من الأصوات، وهو ما يعني أن أصحاب الكتل الثابتة من الناخبين سيكونون الأجدر بالمنافسة على الوصول إلى سدة الرئاسة، على أن يكون لكلمات السر التي سيتم إطلاقها عشية الاقتراع على الماكنات الانتخابية القول الفصل في ترجيح من سيكون الأقدر على الإقناع بكثير من المعطيات، قد يكون بعضها فقط متصلا بالقدرة على ممارسة الحكم.