أوروبا

جنود سابقون يحيون ذكرى خمسين عاما على التدخل البريطاني في إيرلندا الشمالية

ـ ليسبرن ـ يعتبر العديد من البريطانيين الجنود الذين تدخلوا في إيرلندا الشمالية قبل خمسين عاما أبطالا مجهولين كانوا يدافعون عن النظام العام في منطقة تمزقها اضطرابات، لكن كثيرين آخرين يرون أن هؤلاء أججوا النزاع.

وعملية “بانر” التي كان من المقرر أن تكون قصيرة، استمرت 38 عاما وأصبحت أطول عملية في تاريخ الجيش. وفي أوج هذه الحملة كان نحو ثلاثين ألف جندي بريطاني ينتشرون في إطارها قتل 722 منهم.

وترك الجيش البريطاني بعد هذا الوجود الطويل في المنطقة، إرثا مرا وجدلا سياسيا حادا: هل يجب ملاحقة الجنود على جرائمهم المفترضة؟

قال دومينيك براين من جامعة كوينز في بلفاست إن “الانعكاسات واضحة في السياسة الحالية في إيرلندا الشمالية”.

وفي الذكرى الخمسين للتدخل البريطاني، تظاهر مئات الجنود السابقين في جنوب غرب بلفاست السبت في تجمع وسط حضور كبير للشرطة.

وتشمل المراسم عرضا عسكريا وقداسا تنظمه جمعية المحاربين القدامى في إيرلندا الشمالية التي يؤكد أعضاؤها أنهم “يشعرون بالقلق”. ويفترض أن تحضر زعيمة الحزب الوحدوي الديموقراطية ارلين فوستر رئيسة الحكومة السابقة في المقاطعة، هذه المراسم.

وذكر مراسل لوكالة فرانس برس أن قوات أمنية كبيرة نشرت بما في ذلك عدد كبير من رجال الشرطة يرافقهم كلاب بوليسية.

وهذه السنة وبعد حملة طويلة لعائلات الضحايا للمطالبة بالعدالة، أعلن مدعون عامون في إيرلندا الشمالية أن أحد المحاربين القدامى قدم على أنه “الجندي اف” سيحاكم بتهم قتل في أيلول/سبتمبر المقبل لوقائع تعود إلى “الأحد الدامي”.

في ذلك اليوم الواقع في 30 كانون الثاني/يناير 1972، قتل مظليون بريطانيون 13 ناشطا كاثوليكيا كانوا يتظاهرون بشكل سلمي في لندنديري. وتوفي ناشط آخر بعد أشهر.

 “الحقيقة والعدالة”

هذه هي المرة الأولى التي تطلق فيها ملاحقات تتعلق بهذا اليوم الحزين من “الاضطرابات”، أعمال العنف التي مزقت المقاطعة البريطانية لأكثر من ثلاثة عقود.

وجرت أعمال العنف هذه بين الجمهوريين القوميين ومعظمهم من الكاثوليك المؤيدين لإعادة توحيد إيرلندا من جهة، والوحدوديين الموالين للتاج البريطاني وهم خصوصا من البروتستانت المدافعين عن البقاء في المملكة المتحدة.

لكن نهاية المعركة ما زالت بعيدة، كما يقول جون كيلي الذي قتل شقيقه مايكل خلال “الأحد الدامي”. وقال لوكالة فرانس برس “لن يحاكم سوى جندي واحد من أصل 18 كانوا موجودين. يجب أن يحاكم الجنود ال18 لأنهم قتلوا أشخاصا أبرياء في الشوارع”. وأضاف “نريد الحقيقة والعدالة، هذا كل شيء”.

وتستمر الملاحقات والتحقيقات في قضايا قتل أخرى تسبب انقساما في البلاد خارج إيرلندا الشمالية حول طريقة إحقاق العدل.

وقتل حوالى عشرة بالمئة من 3500 شخص هم ضحايا “الاضطرابات” بأيدي أفراد من الشرطة والجيش وبعضهم كانوا في بعض الأحيان مدنيين عزل.

 دعم للمحاربين القدامى 

ازدادت القضية صعوبة عندما طالب نواب بريطانيون بالعفو عن الجنود مثل الاتفاقات التي أبرمت للإفراج عن حوالى 500 من عناصر القوات الخاصة الجمهوريين والموالين لبريطانيا في نهاية النزاع.

ونظم جنود متقاعدون تجمعات دعما “للجندي اف” في لندن وبلفاست، معتبرين أنهم أصبحوا ظلما أهدافا لتحقيقات.

لكن بعضهم يرون أن عفوا عنهم سيكون اعترافا ضمنيا بالمسؤولية يشكل أيضا جنودا خدموا بنزاهة.

 تحقيقات غير متساوية؟ 

يتعلق الجدل أيضا بسير التحقيقات.

كتب ريتشارد دانات القائد السابق للجيش البريطاني الذي خدم في الماضي في إيرلندا الشمالية، في صحيفة “نيوزليتر” في 2018 أن “الجيش قدم تقارير ممتازة عنن عملياته، لكن الإرهابيين لم يفعلوا ذلك”. وأضاف أن “هذا يؤدي إلى حقل لا مساواة فيه لإجراء هذه التحقيقات”.

وينص اتفاق السلام الذي أبرم في 1998 خصوصا على أن يدمر الجيش الجمهوري الإيرلندي مخابىء أسلحته التي تعد مصدراً ثمينا للأدلة.

ويرى أنصار الملاحقات القضائية أن الحكومة البريطانية هي التي يمكن أن تعقد التحقيقات التي تخفي أدلة ضد قوات حفظ النظام باسم الأمن القومي.

أما الوحدويون فيخشون أن تعامل على قدم المساواة أعمال القوات الجمهورية شبه العسكرية وقوات الأمن الرسمية.

وقال دومينيك براين إن “كلفة انتشار الجنود لا تقاس بعدد القتلى حينذاك فقط”، مشيرا إلى أن “هناك كلفة على الأمد الطويل في مجال الذاكرة التاريخية وتأثيرها على السياسة”. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق