خالد القشطيني
الواقع أن مشاركة المسلمين باحتفالات النصارى شيء له جذور عميقة في التراث العراقي. لقد كانت هناك كنائس وأديرة تحيط بالعاصمة بغداد وبمدينة الكوفة. اعتاد المسلمون على ارتيادها.
وكان المعتادون على الشرب يقضون أمسيات طويلة في هذه الأماكن حيث يجدون فيها ما يطمعون به من شراب. وقد قررت الحكومة العراقية إحياء أعياد المسيحيين واعتبارها أيام عطل وطنية رسمية.
جاء ذلك بمثابة مواصلة لتقاليد الخلافة العباسية. يروي المؤرخون تفاصيل كثيرة عن ذلك فيقولون إن المسلمين كانوا يشاركون في هذه النشاطات وقد اتخذوا عيد الشعانين عيدا لهم أيضا يشاركون فيه إخوانهم النصارى. انبرى الشعراء في وصف ذلك فقال الثرواني:
خرجنا من شعانين النصارى
وشيعنا صليب الجاثليقِ
فلم أر منظرا أحلى بعيني
من المتقينات على الطريق
حملن الخوص والزيتون حتى
بلغن به إلى دير الحريق
وراح الشاعر الكوفي علي بن محمد الحماني يستدعي ذكريات الأماكن المسيحية ويصف نساءها ويتحسر على غيابه عنها فيقول:
واها لأيامي وأيام النقيات المراشف
والغارسات البان قضبانا على كثب الروادف
والجاعلات البدر ما بين الحواجب والسوالف
أيام يظهرن الخلاف بغير نيات المخالف
وقف النعيم على الصبا وزللت عن تلك المواقف
كان أبو نؤاس من الزبائن المعتادين على ارتياد تلك الأديرة المحيطة ببغداد. وقد ترك لنا الكثير مما قاله فيها من أشعار.
ويشير الشاعر الحبوبي إلى ديار النصارى في بغداد فيحييها قائلاً:
حي أقمار النصارى
تخذت بالكرخ دارا
ولكن تمركز النصارى لم يكن في الكرخ وإنما في صوب الرصافة في الحي المعروف بعقد النصارى. وقد مر به الجواهري في العشرينات وعاد إلى أهله في النجف وراح يروي للناس مذهولا كيف أنه رأى البنات يمشين سافرات في بغداد.