تحقيقات
سعي الانفصاليين اليمنيين لاستعادة استقلال الجنوب اختبار أمام السعودية
ـ دبي ـ يسعى الانفصاليون اليمنيون الذين سيطروا على العاصمة المؤقتة عدن الخميس إلى استعادة استقلال الجنوب، ولكنهم يواجهون عوائق كبرى في المنطقة التي تتمتع فيها السعودية بنفوذ كبير.
يرى محللون أن المعركة من أجل الجنوب تمثل اختبارا أمام السعودية التي تقود منذ عام 2015 تحالفا عسكريا داعما للقوات الحكومية المعترف بها دوليا، والتي يتوجب عليها الوساطة لإبقاء التركيز على قتال المتمردين الحوثيين في الشمال.
يقاتل الانفصاليون الجنوبيون وقوات الحكومة معا في صفوف تحالف تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المقرّبين من إيران والذين يسيطرون على مناطق واسعة في البلد الفقير منذ 2014، ضمن نزاع جعل ملايين السكان في اليمن على حافة المجاعة.
لكن رغم قتال المتمردين معا، يخوض الانفصاليون والقوات الحكومية معركة ترسيخ نفوذ محتدمة في الجنوب، وخصوصا في عدن، عاصمة الدولة الجنوبية السابقة قبل اتحادها مع الشمال عام 1990 وولادة اليمن الموحد.
وقد استعاد الانفصاليون اليمنيون الخميس السيطرة الكاملة على عدن في أعقاب اشتباكات مع القوات الحكومية التي انسحبت من المدينة بعد دخولها الاربعاء، بحسب ما أعلن مسؤولون أمنيون من الجانبين.
و”الحزام الأمني” هي القوة الجنوبية الرئيسية التي تدرّبها وتسلّحها الامارات العربية المتحدة، الشريك الرئيسي في قيادة التحالف العسكري.
وبعد الاستعمار البريطاني، أصبح الجنوب دولة مستقلة عام 1967. حتى أعلن عن الوحدة مع الشمال في عام 1990. وكان الجنوب لديه مؤسسات خاصة به واقتصاد منفصل.
ولكن بعد أربع سنوات على توحيد اليمن، ساد شعور بالاستياء لدى الجنوب من سكان الشمال المتهمين بتوحيد البلاد بالقوة، وأدى إلى اندلاع نزاع مسلح.
وكتب رئيس الدائرة السياسية بالمجلس الانتقالي الجنوبي خالد بامدهف في مقال في صحيفة الشرق الأوسط هذا الأسبوع “لقد وضع شعب الجنوب تحت وطأة الاحتلال الشمالي الذي لا يمتُ لدولة الوحدة بأي صلة”.
وبحسب بامدهف “لقد ذهبت صنعاء بعيداً في تنفيذ مخططها في الاستيلاء على الجنوب أراضي وثروة (..) فحلت دولة الجنوب وشردت قادتها وكوادرها وفككت كل المؤسسات المدنية”.
“استقلال الجنوب”
بدأ التوتر مع سيطرة الانفصاليين في العاشر من آب/أغسطس على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة، اثر اشتباكات مع القوات الحكومية قتل وأصيب فيها عشرات.
وبعدها بأيام ، سيطر الإنفصاليون على معسكرات حكومية خارج عدن في محافظة أبين المجاورة وتقدموا شرقا نحو محافظة شبوة.
وأكد المجلس الانتقالي الجنوبي أنه يصر على استعادة “استقلال الجنوب”.
وفي خطاب ألقاه ليل الثلاثاء، قال عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي “نؤكد لكم ثباتنا على عهد (..) الذي قطعناه على أنفسنا أمام شعبنا، بقيادة سفينة الوطن والإبحار معاً حتى الوصول إلى شاطئ الأمان الذي اختاره شعبنا وناضل لأجله طويلاً، والمتمثل باستعادة استقلال الجنوب وبناء دولته الفدرالية المستقلة كاملة السيادة”.
وعدن هي العاصمة الموقتة للحكومة المعترف بها منذ سيطرة المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء في ايلول/سبتمبر 2014.
وقال الباحث في شؤون اليمن ريمان الحمداني إن احتمال قيام دولة مستقلة سيواجه معارضة حادة كون المجلس الانتقالي الجنوبي لا يمثل كافة الأصوات في الجنوب.
وأكد لوكالة فرانس برس “سيؤدي هذا إلى نزع الشرعية بشكل تام عن التدخل الأجنبي في اليمن وأهدافه”.
وبعد معارك الأربعاء، أكد الحمداني أن الإنفصاليين قاموا بإبعاد حلفاء محتملين من بينهم إنفصاليون جنوبيون آخرون ورجال تكنوقراط كان بإمكانهم “مساعدة قضيتهم”.
وأضاف “الجنوب بحاجة إلى وحدة أقوى وتنسيق لضمان قدرتهم على استقبال مؤسسات الدولة على المدى الطويل”.
“حرب داخل حرب”
ودعت الإمارات العربية المتحدة والسعودية الإثنين الانفصاليين والحكومة اليمنية للتفاوض والحوار من أجل التهدئة في جنوب اليمن الذي يشهد مواجهات دامية.
ورأت الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إيلانا ديلوزير أن دولة مستقلة في الجنوب اليمني لن تحدث في المستقبل القريب، إلا أنها قالت “لكن الفكرة لن تختفي في أي وقت قريب”.
وبحسب ديلوزير فإن القتال بين الإنفصاليين والحكومة اليمنية يشكل اختبارا أمام مهارات الرياض الدبلوماسية.
وتابعت “قامت حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي بإصدار بيانات تعول بوضوح على السعودية، مانحة المملكة نفوذا هائلا: لكن الاختبار الحقيقي هو إن كان بإمكانها استغلال هذا النفوذ لمنع معركة كبرى”.
ويرى مراقبون أن الخلافات بين الحكومة والإنفصاليين قد تكون مؤشرا على تصدعات بين السعودية والإمارات التي قامت بتدريب وتسليح الإنفصاليين.
وتقول اليزابيث كيندال الباحثة في شؤون اليمن في كلية بيمبروك بجامعة أوكسفورد إن “القيادة في البلدين ستقوم برأب التصدعات بشكل علني،ولكن التطورات الأخيرة دفعت بخلافاتهما إلى الواجهة وتظهر أن أهدافهما النهائية في اليمن غير متسقة”.
وبالنسبة ليكندال فإنه في حال أرادت الأطراف منع اليمن من الانهيار فإنه “يجب عقد محادثات سلام أوسع وأكثر شمولية وعلنية وشفافية بشكل فوري” محذرة من أن عدم حدوث ذلك سيؤدي إلى “اندلاع حرب داخل حرب” دائرة حاليا.