أقلام يورابيا

 هل تقصم العلاقة مع إيران ظهر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين؟!… تاريخ مترهل.. ومواقف حادة

*سلمان سلامة

للحقيقة وللتاريخ فقد انفتحت الرؤية المذهبية لجماعة الإخوان المسلمين، كبرى الجماعات الإسلامية السنية، على أفق عصري متسامح. ربما تكون هذه دعوى تحتاج منا إلى تأكيد وبرهان مصداقية. قطريا وأمميا نظريا وعمليا ظلت الجماعة في عهود تأسيسها تبشر بدعوة أكثر انفتاحا. وعليه فقد كان الموقف من الشيعة بشكل خاص يضرب على أوتار المحبة والإخوة الإسلامية، وتجاوز عقد الماضي، والدعوة إلى الانخراط الموحد في مواجهة التحديات الاستراتيجية والحضارية التي تفرض نفسها على ما اعتقد الإخوان المسلمون أنه الأمة الواحدة.

منذ وقت مبكر أقامت ” الجماعة “ وهو الاسم الذي سنرمز به للتنظيم العالمي في هذا المقال ” علاقات متقدمة مع الحراك الدعوي الإسلامي في إيران ، هذا الحراك الذي كان موظفا ضد دولة الشاه بلبوسها العلماني ، الذي ترفضه الجماعة  ابتداء ، ثم بالعلاقة المتقدمة مع الولايات المتحدة من خلال ” الحلف الأطلسي ” ومع إسرائيل التي كان علمها يرفرف في سماء طهران قبل ثورة الخميني . ثورة الخميني التي حولت مقر السفارة الإسرائيلية إلى مقر لمنظمة التحرير الفلسطينية في عمل دعائي لافت، جذب أنظار الكثير من العرب والمسلمين والإسلاميين منذ الأيام الأولى للثورة.

يتذكر الإخوان المسلمون السوريون منهم بشكل خاص كيف استقبل مصطفى السباعي الداعية الإيراني ” نواب الصفوي ” وكيف عرفه على الواجهات الوطنية السورية، وكيف دخل به على رئيس الجمهورية.

ويتذكر الإخوان السوريون منهم بشكل خاص، كيف كانوا يدرسون في منهاجهم الداخلي في الستينات والسبعينات كتبا لمراجع شيعية منها على سبيل المثال كتاب ” اقتصادنا ” لمحمد باقر الصدر في موقف ينم على محاولات جادة لتجاوز المأزق الطائفي، الذي أثبتت الأيام أنهم جرف هار ينهار بكل من يقاربه.

بنوايا طيبة أو بنوع من السذاجة السياسية الملتبسة بما يدعوه بعض الناس ” غفلة الصالحين ” استقبلت ” الجماعة ” بل ساحة عريضة من الجماهير العربية ثورة الخميني، واعترفوا بها ” ثورة إسلامية “. وفي مطلع الثمانينات نشرت دورية عربية مرموقة على صفحة غلافها صورة للزعامات العربية وأطلقت عليهم عنوانا دعائيا ” آيات الله العرب”. وترصد واقعات السجل المدني في العالم العربي انتشار اسم ” آية ”   و” آية الله ” كتعبير شعبي عن الإعجاب.

كان التعاطف مع ثورة الخميني الذي كان يدير معركته من باريس في الشارع العربي كبيرا. بينما كانت الأنظمة العربية تترصد هؤلاء المتعاطفين. بمن فيهم نظام حافظ الأسد الذي سيصبح على البساط الطائفي الحليف الأوثق لطهران.

بدوره لم ينس قائد الثورة الخميني أن يرسل بعض الرسائل الإيجابية للجماهير السنية. حين حض الحجاج الإيرانيين على الصلاة خلف إمام الحرم المكي.

وبعد أن اشتعلت حرب العراق – إيران، المباشرة، (1980 – 1988). ووصف المباشرة يؤكد على رؤيتنا أن الحرب الثانية والثالثة كانت حربا عراقية – إيرانية غير مباشرة، تولت قيادتها الولايات المتحدة نيابة عن مشروعين إقليميين هما المشروع الإسرائيلي والمشروع الإيراني. نقول بعد أن اشتعلت الحرب العراقية – الإيرانية والتي استمرت طوال عقد الثمانينات تقريبا؛ ظل موقف ” الجماعة ” متأرجحا من هذه الحرب أولا، ومن إيران ثانيا؛ فلم يكن من السهل على قادة الجماعة التي تدعي الإسلامية وترفض الطائفية أن تنحاز إلى صدام حسين البعثي والقومي العلماني ضد ” الثورة الإسلامية والمشروع الإسلامي الذي يقوده الجناح الشيعي الخارج كما يدعي رواده دائما من عباءة ” الإخوان المسلمين. ويزعم هؤلاء الرواد أنهم نشؤوا على فكر جماعة الإخوان. وتثقفوا بأفكار كبار مفكريها. وترجموا كتب هؤلاء المفكرين إلى اللغة الفارسية.

بعد سنوات قليلة على قيام ما عرف ” بالثورة الإسلامية ” أو ” ثورة الخميني ” بدأت الخلافات تتسرب إلى صفوف التنظيمات الإقليمية ” للجماعة “ كلٌ بحسب  أولوياته ومصالحه . خلافات تكون أحيانا هامسة وأحيانا مجهورة. ولكنها ظلت تؤكد نفسها عاما بعد عام وحدثا بعد حدث. الإخوان المسلمون ” العراقيون ” كان عداؤهم التاريخي مع حزب البعث ومع صدام حسين هو الأصل؛ ولكنهم في الوقت نفسه كانوا لا يترددون في طرح مخاوفهم الطائفية . الإخوان المسلمون السوريون بعد زيارة راجية منيت بالخيبة للخميني المنتصر حديثا، زيارة كان على رأس وفدها ” سعيد حوى ” وجدوا أنفسهم اختيارا أو اضطرارا في حضن صدام حسين، وبدؤوا يتحدثون بلهجة أكثر وضوحا عن طائفية الوضع الإيراني ولكن بنبرات متفاوتة ، تحاول أحيانا أن تمسك العصا من الوسط  .

هذا بينما كان عرب الخليج بمن فيهم تجمعاتهم الإسلامية مرتابين من الدور الإيراني، مندفعين في تأييد حرب العراق الأولى ضد إيران حتى تجرع الخميني كأس السم ثم تورط أو وُرط صدام حسين باحتلال الكويت .

وظل موقف إخوان الأردن مشتقا من موقف القيادات الفلسطينية التي ما تزال تتظاهر بتصديق ادعاءات إيرانية في الرغبة بتحرير القدس والأقصى.

حين يعلل بعض قادة ” الجماعة ” مواقفهم من ثورة الخميني يقولون إن الثورة نفسها قد انقلبت على نفسها أكثر من مرة. وإن ثورة كان من قادتها بازكان ويزيدي وقطب زادة ليست هي ثورة الملالي التي جثمت على صدر الشعب الإيراني، كما على صدر المنطقة فيما بعد.

فقد تم الإعلان عن الثورة في أيامها الأولى على أنها ” ثورة المستضعفين ضد قوى الاستكبار العالمي ” ولكن هذه الشعارات لم تلبث أن توارت، لمصلحة مشروع مذهبي مجرد من بعديه الإنساني والإسلامي. ثم مع سحب معلن لمشروع تصدير الثورة، ظهرت إيران بعد فضيحة – إيران غيت – متحالفة مع مشروع الاستكبار العالمي بترتيب الرئيس الأمريكي الأسبق ” بوش الأب ” يوم كان نائبا للرئيس الأمريكي ريغان. ومن يومها بدأت إيران تلعب دورا وظيفيا في المنطقة يتماهى مع المشروع الدولي، ويحقق على أكتافه مصالحه الإقليمية في الهيمنة والنفوذ على حساب دول الإقليم وشعوبه على السواء. وبدأت مواقف الشعوب والتنظيمات الإخوانية المتأذية من هذه السياسات تنأى بعيدا عن إيران أولا، ثم عن المذهب ثالثا، ثم عن جميع المتعاملين معها ولو كانوا الأشقاء في التنظيم.

في الحقيقة يعطى التنظيم العالمي ” للجماعة ” هالة أكبر بكثير من جرمه الحقيقي. فالكل يذكر كيف أن إخوان الكويت هجروا التنظيم وأداروا ظهرهم له بعد اضطراب موقف قيادة التنظيم من احتلال صدام حسين للكويت.

إخوان العراق الذين كانوا مشردين ومضطهدين في عهد صدام حسين شرذمتهم الصدمة القوية بعد سقوط الدولة، وخضوع العراق للنفوذين الأمريكي والإيراني ، وهم اليوم بثقلهم الجغرافي والديموغرافي يشكلون ورقة ضغط قوية على قيادة ” الجماعة ” لإعلان موقف صريح واضح من المشروع الإيراني الذي يطلقون عليه ” المشروع الصفوي” .

الإخوان السوريون  بدورهم يحتجون بشدة على أي علاقة تربط ” الجماعة ” بإيران وقواها المنتشرة في المنطقة . يستحضر الإخوان السوريون هذه الأيام جملة الخروق التي ترتكب ضد مبادئ حقوق الإنسان في سورية خارج دائرة كل ما يمت إلى الشرعية الإسلامية والشرعية الدولية بصلة ، ويحملون إيران وقادتها مسئولية  موازية لمسئولية النظام فيما يجري على أرضهم  .

ولبنان بدوره وبعد أن أسفر حزب الله عن وجه غير مريح في إرادة السيطرة على حياة اللبنانيين كان لهم مواقفهم الحادة من استمرار العلاقة مع إيران …

منذ أشهر وحين أقدم الأستاذ ” إبراهيم منير ” الذي يحتل موقع نائب المرشد هذه الأيام على حضور مؤتمر ” الوحدة الإسلامية الذي ترعاه إيران “ في لندن تعرض لحملة ضغوط هائلة من تنظيمات قطرية مثل العراق وسورية ولبنان . ووصلت مخرجات هذه الحملة إلى العلن، ونشرت العديد من المقالات عبر الإعلام بمقالات متبادلة بين رموز الجماعة من كافة الأقطار.

وكلما أقدم مسئول فلسطيني من قيادة حماس على إحراق بعض البخور لخامنئي أو قاسم سليماني تثور همهمة أو ضجيج ينبئ عما وراءه من ماغما البركان.

ذرائع قيادة التنظيم العالمي في إصرارها على الحفاظ على علاقة مع طهران:

أولا شعور ظفروي بمعنى العالمية الذي يظل يحلم به الإخوان المسلمون والمصريون منهم بشكل خاص أنهم ما يزالون يحافظون على الطابع العالمي لدعوة البنا.

ثانيا – شعور قيادة الجماعة أنها بحاجة إلى أن تأوي إلى ركن ما بعد أن فتحت عليها النار من أكثر من اتجاه في الإقليم.

ثالثا – الذريعة الفلسطينية ..

وضغوط إخوة حماس والذين يعملون في أرض مكشوفة. ولا يخفون حاجتهم إلى الداعم الإيراني ولا يملون من الثناء المكشوف عليه. ولا يشعر هؤلاء أنهم في ظرف قد يفقدهم حواضنهم العربية مقابل المكسب الاضطراري الذي يسعون إليه.

وتكاد العلاقة مع إيران أن تشكل فصاما  بين الشعوب العربية في كل من العراق وسورية واليمن ولبنان وبين ما يسمى اليوم بمقاومة حماس والجهاد . كما تكاد هذه العلاقة أن تتسبب في انفراط عقد ما سمي بالتنظيم العالمي في الوقت نفسه .

فهل نصبح ” والجماعة ” في خبر كان بعد أنسحب منها عمليا كل من تونس والأردن واليمن ؟!

إن التنظيم العالمي اليوم يقف على مفترق طرق مكسر عصاه العلاقة الأساس إيران .

قيادات التنظيمات القطرية تتعرض لضغوط هائلة من قواعدها ليس بشأن العلاقة طهران فقط ، بل بشأن العلاقة مع أي جهة لها علاقة بطهران . فعند الجماهير بشكل عام  تبقى المعادلة السياسية صفرية . والجماهير الإسلامية لم تتعود كثيرا على قواعد المقاربات السياسية. وبدورها  فإن قيادات هذه التظيمات تضغط كما أسلفنا على قيادة التنظيم العام . وعلى إخوان مصر منهم بشكل خاص .

وفي حين تميل المواقف بقوة لمصلحة القطيعة . يبدو أن نشوة الانتصارات القريبة في العراق وسورية واليمن ولبنان تدفع الإيرانيين إلى تعميق هوة الخلاف مع شعوب المنطقة ، والتركيز أكثر على أدوات الهيمنة . والاستثمار في معادلة الإذلال الصفرية حتى الرمق الأخير على طريقة محاكم التفتيش نفسها . لقد فقدت الثورة الإيرانية أي بعد شعبوي لها كالذي كان عشية عدوان 2006 .

على أجندة التنظيم العالمي اليوم سؤال ملح : يتمسكون بوحدتهم يحافظون على  حاضنتهم  العربية السنية أو يتمسكون برؤية حالمة أثبت كل الوقائع أنه محض وهم وخيال …

.فأي دور ..لهؤلاء ….أو لهؤلاء …أو لهؤلاء

*كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق