تحقيقات
“موضوع الإرهاب” يتراجع لصالح المطالب الاقتصادية في حملة الانتخابات الرئاسية في تونس
ـ تونس ـ بعدما طغت مسألة مكافحة الإرهاب لوقت طويل على الحياة السياسية في تونس على وقع موجة اعتداءات هزت البلد، غاب الموضوع عن صدارة النقاش الذي يتمحور حول المسائل الاجتماعية والاقتصادية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأسبوع المقبل، بالرغم مخاوف أمنية لا تزال قائمة.
وشهدت تونس في أعقاب ثورة 2011 التي شكلت شرارة لحركات “الربيع العربي”، صعود تيارات إسلاميّة متطرفة بلغت ذروتها مع سلسلة اعتداءات وقعت بين 2015 و2016 فأودت بالعشرات وقوضت اقتصادا ضعيفا بالأساس.
وشهد العام 2015 أحداثا دامية بين الهجوم على متحف باردو في العاصمة التونسية، والاعتداء على فندق وشاطئ في مدينة سوسة (شرق)، واستهداف حافلة للحرس الرئاسي في العاصمة في تشرين الثاني/نوفمبر، إلى أن ظنّت تونس التي تسلك مسارا ديموقراطيا لا يخلو من الصعوبات منذ 2011، أنها تعيش أحلك حقبات تاريخها، مع سقوط 72 قتيلا هم 59 سائحا وشرطي و12 عنصرا من الحرس الرئاسي في اعتداء سوسة.
في ليبيا المجاورة، اغتنم تنظيم داعش الفوضى المخيمة لإيجاد موطئ قدم له، فيما شهدت تونس في آذار/مارس 2016 هجوما منسقا شنه عشرات الارهابيين على مراكز أمنية وعسكرية في بن قردان على الحدود الليبية، ما دفع رئيس الوزراء آنذاك الحبيب الصيد إلى التحذير من محاولة لتنظيم داعش لـ”إقامة إمارة” في تونس.
وتم صدّ الهجوم رغم ضراوته، ما شكل نقطة تحول في مكافحة الارهابيين في تونس.
ويقدّم المرشح يوسف الشاهد الذي عين رئيسا للوزراء في السنة ذاتها، التحسن الكبير للأمن في تونس على أنه من إنجازاته الكبرى خلال سنواته الثلاث على رأس الحكومة.
“شرطة جوار”
ورغم ذلك وضع الشاهد “مكافحة الإرهاب” وأمن المواطنين على قدم المساواة بين اهتماماته خلال مناظرة تلفزيونية بين المرشحين مساء الثلاثاء، مقرا بالموازاة بارتفاع نسبة الجريمة. واقترح بهذا الصدد إنشاء “شرطة جوار”.
في المقابل، يشدّد مرشحون آخرون أيضا، وفي طليعتهم وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، على دورهم في تحسين الوضع الأمني، غير أن هذه الحجة تفشل في إقناع الناخبين.
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية مايكل العياري لوكالة فرانس برس “الوضع هادئ عموما، ليس هناك تهديد قائم، ومسألة الأمن تراجعت إلى المرتبة الثانية في الوقت الحاضر”.
وعلى الأرض، يتركز ترقب التونسيين حيال المرشحين على المسائل الاجتماعية، وفي طليعتها الرواتب التي لا تتخطى بضع مئات الدينارات في الشهر في حين أن كيلو اللحوم يكلّف أكثر من عشرين دينارا (7 يورو)، والبطالة المرتفعة التي تثير يأس الشبان، وتراجع الخدمات العامة.
وتضاف إلى هذه المواضيع الكبرى عمليات السطو والسرقة والجرائم الصغيرة التي يجد القضاء صعوبة في احتوائها.
ويقول العياري إن “النقاش يدور بصورة خاصة حول الاقتصاد”.
استقطاب
غير أن هذا لا يعني أن المخاوف تبددت. ففي اليوم الأول من الحملة الانتخابية، أعلنت وزارة الداخلية قتل ثلاثة قياديين جزائريين من “كتيبة عقبة بن نافع” المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
والمجموعة الناشطة في المناطق الجبلية المحاذية للجزائر، هي التي نفذت عام 2014 هجوما في جبل الشعانبي كان الأكثر دموية في تاريخ الجيش التونسي إذ أدى إلى مقتل 15 جنديا، وشكل نقطة الانطلاق لموجة الاعتداءات.
وتأكيدا على استمرار التهديدات، وقع اعتداء انتحاري في وسط العاصمة في 27 حزيران/يونيو أسفر عن مقتل شخصين.
وشكل التونسيون إحدى أكبر المجموعات بين مقاتلي تنظيم داعش خلال فترة سيطرته وتوسعه في سوريا والعراق وليبيا، إذ قدرت مجموعة عمل تابعة للأمم المتحدة عددهم بالآلاف.
ولا تزال حال الطوارئ قائمة في تونس بعدما أعيد فرضها في نهاية 2015.
وفيما لا يزال الأمن يشكل واحدة من الصلاحيتين الرئيسيتين للرئيس التونسي في إطار النظام البرلماني المزدوج المعتمد حاليا، وعد العديد من المرشحين بالانخراط بشكل أكثر نشاطا في البحث عن حل للنزاع في ليبيا.
ويرى العياري أن موضوع مكافحة الإرهاب قد يظهر مجددا في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، خصوصا إذا تأهل لها عبد الفتاح مورو، أول مرشح يقدمه حزب النهضة من صفوفه.
ولطالما اتهم هذا الحزب ذو المرجعية الإسلامية بالتخاذل أمام المدّ الارهابي خلال سنوات حكمه في أعقاب الثورة، وهي تهمة ما زال يسعى لنفضها عنه.
ويقول العياري إنه إذا انتقل مورو إلى الدورة الثانية، فقد تطرح مجددا “مسألة الإرهاب لإحراج النهضة”، مضيفا “كما في كل مرة يحصل فيها استقطاب، تعود المسائل الأمنية إلى الظهور”. (أ ف ب)