تحقيقات
هل تواصل تونس مسارها نحو ديموقراطية حقيقية؟
ـ تونس ـ تعد تونس، مهد “الربيع العربي”، البلد الوحيد بين دول “الربيع العربي” التي تسلك مسار الديمقراطية منذ ثورة 2011. لكن طريقها يواجه بعض الانحرافات بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وعودة طبقة سياسية كانت داعمة لنظام الدكتاتور زين العابدين بن علي.
فهل تمثل الانتخابات الرئاسية المبكرة المقرّرة الأحد دليلا قاطعا على أن تونس في المسلك السليم للمضي على طريق الممارسة الديموقراطية؟
هل ستكون الانتخابات عادلة؟
يستبعد مراقبون تونسيون ودوليون احتمال حصول عمليات تزوير في الانتخابات الرئاسية الثانية منذ 2011 بالاقتراع المباشر والحر.
فقد تمّ رصد إخلالات وتجاوزات في انتخابات 2014، لكن المراقبين أكدوا آنذاك أنها لا تؤثر على النتائج النهائية.
وظهر في المقابل امتعاض ونقد شديدان من سياسيين لعملية توقيف رجل الإعلام نبيل القروي قبل انطلاق حملته على خلفية تهم وجهها القضاء إليه تتعلق بتبييض أموال.
ويرى أحد الناخبين الذي فضّل عدم الإفصاح عن هويته أن توقيف القروي قبل عشرة أيّام من الحملة هو “سلوك سيء لسياسة قديمة”.
واتهمت حملة القروي الانتخابية رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالسيطرة على القضاء وتوجيهه، مستندة في ذلك الى القانون الذي تقدمت به حكومة الشاهد الى البرلمان وتمت المصادقة عليه وكان من شأنه إقصاء القروي من السباق لو وقّع عليه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قبل وفاته.
ويقول الباحث سليم الخراط من منظمة “بوصلة” لوكالة فرانس برس “هذه الانتخابات مفتوحة على كل الاحتمالات، والدليل على ذلك حرية في الترشح وكذلك وجود منافسة حقيقية”.
وتعتبر هذه الانتخابات “امتحانا” للديموقراطية التونسية لأنها “قد تتطلب الاعتراف بفوز مرشح مثير للجدل” مثل نبيل القروي، حسب الباحثة إيزابيل ويرينفيلز من المعهد الألماني للشؤون الدولية.
هل المرشحون كلهم ديموقراطيون؟
تقول المرشحة الى الانتخابات الرئاسية عبير موسي التي ترفع لواء الدفاع عن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وتناهض الإسلام السياسي، إن الحرية المكتسبة منذ ثورة 2011 لا تعني شيئا أمام الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
وبدأ هذا النوع من الخطاب يتردد صداه داخل المقاهي والأوساط الشعبية ولدى بعض المرشحين الآخرين ويلقى آذانا صاغية.
ويطالب العديد من المرشحين في برامجهم الانتخابية بمنح الرئيس صلاحيات إضافية عبر تغيير النظام السياسي في البلاد من البرلماني المزدوج الى الرئاسي الذي يرى البعض أنه كان سببا في دكتاتورية رؤساء تونس قبل الثورة.
واتخذ هذا المطلب حجما أكبر بعد وفاة الرئيس السبسي، ما دفع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لتقديم موعد الانتخابات الرئاسية على التشريعية التي تنظم بعد ثلاثة أسابيع. وتوضح ويرينفيلز أن “الاهتمام المفرط” بالرئيس وبصلاحياته من شأنه ان “يضعف من مكانة البرلمان” الذي أقر دستور 2014.
ويؤكد الباحث في العلوم السياسية حمزة المدب أن تونس “ديموقراطية فيها ديموقراطيون وزنهم الانتخابي ضعيف، كما هو الحال في المراحل الانتقالية”.
هل تعود تونس للديكتاتورية؟
بالرغم من الصراع والتجاذبات الحادة بين السياسيين وتفاقم الأزمة الاقتصادية، “من الصعب أن يكون هناك تراجع وتسليط دكتاتورية في البلاد”، في تقدير الكاتب الصحافي زياد كريشان.
فقد ترسخ مبدأ حرية التعبير في أذهان التونسيين. وتحتل تونس المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ترتيب حرية الصحافة والمرتبة 72 عالميا، متقدمة على اسرائيل (88) ولبنان (101)، استنادا الى تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” السنوي.
في المقابل، من الضروري أن تشمل الشفافية والعدالة في الحياة السياسية ميادين أخرى وخصوصا الاقتصاد والعدل، على ما يقول تقرير للمعهد الألماني للشؤون الدولية.
وينبه التقرير الى أن هناك “خطرا من أن يكون في تونس نظام سياسي هجين”. ويدعو الى إحداث “إصلاحات تشمل مؤسسات الدولة والهياكل الاقتصادية التي لحقها الفساد جزئيا”، معتبرا أن “هذا أساسي لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد”. (أ ف ب)