السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
المرأة مصدر قوة وإشعاع تونس في وجه الظلامية
– تونس – أختيرت تونس عاصمة المرأة العربية لسنتي 2018 و2019 وعاصمة دولية لتكافؤ الفرص سنة 2019 خلال المؤتمر الإقليمي الرابع الرفيع المستوى حول “دور المرأة في بناء مجتمعات مندمجة في المتوسط” الذي انتظم يومي 10 و11 أكتوبر الجاري بلشبونة، وتزامنت هذه المناسبة مع إشادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس بمشاريع القوانين التي تصون حقوق المرأة في كلمته التي ألقاها أمام قمة الفرنكوفونية في يريفان.
وأثنى الرئيس الفرنسي على “إقدام الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الذي تحلى بالشجاعة وتبنى مشاريع قانون أساسية من أجل حقوق النساء، حق الحرية، والحق في الزواج، والحق في الإرث في حين تملك الآخرين الخوف وهذا في وقت نشهد تنامي التيارات الظلامية وصعود نساء ورجال يريدون أسر قارة بأكملها في قراءة مشوهة للدين”.
وأضاف الرئيس الفرنسي في كلمته أمام نحو أربعين من قادة الدول والحكومات، “في حين علت أصوات الظلاميين لتنهى عنها، فعل الرئيس السبسي ذلك، وعلينا أن نؤيده في هذه المعركة. سنكون معك أيها الرئيس، فلا تستسلم على الإطلاق!”. مؤكدا أن مستقبل الفرنكفونية سيكون نسويا في إشارة إلى النقاشات التي جرت في تونس حول مشروع التشريعات المتصلة بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء وعدم تجريم المثلية الجنسية والتي هاجمها بشدة رجال الدين وشخصيات متشددة داخل تونس وخارجها.
وقالت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، نزيهة العبيدي أن اختيار تونس عاصمة المرأة العربية لسنتي 2018 و2019 وعاصمة دولية لتكافؤ الفرص سنة 2019 يعكس بالدرجة الأولى الدور الذي تلعبه المرأة التونسية وأهمية النجاحات التي حققتها في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وأشارت العبيدي إلى أن الدولة التونسية تعد من البلدان الرائدة في مجال المبادرة والالتزام بالحفاظ على الحقوق المكتسبة للمرأة والعمل على تثمين دورها وضمان تكافؤ الفرص وتكريس مبدأ التناصف بين الجنسين في جميع المجالات.
ومنذ قيام الجمهورية أولت تونس أهمية كبرى للمرأة وكرّست ذلك في مجلة الأحوال الشخصية التي صدرت العام 1956 حيث تضمنت العديد من القوانين الضامنة لحقوق النساء. كانت تونس سباقة في هذا المجال مقارنة بنظيراتها من الدول العربية ومن أهم الحقوق التي ارتقت بالمرأة التونسية في التعليم الذي فتح الباب أمام التونسيات لدخول سوق العمل بمؤهلات علمية مثل أقرانهن من الرجال. واستهلت المرأة في تونس من وقتها طريقها نحو التعلم ومسيرتها في العمل وخاضت تجارب في مهن ووظائف كانت لسنوات حكرا على الرجال وواصلت التقدم نحو تحقيق المزيد من المكاسب وضمان المزيد من الحقوق تشريعيا دستوريا.
وبالرغم من أن العديد من القراءات تعتبر أن اهتمام رؤساء تونس منذ الاستقلال بضمان حقوق المرأة لم يكن إلا شكلا من أشكال الخضوع للسياسات الخارجية الغربية وإذعانا للقوانين الدولية ومحاولة من بعضهم مثل زين العابدين بن علي لتبييض صورته أمام المجتمع الدولي وشركاء تونس في الدول الغربية وتلميعها برفع شعار الديمقراطية والاستدلال عليها بضمانات حقوق المرأة والسعي لتحقيق مساواتها بالرجل في جل المجالات.
وبالرغم من النظرة غير المعجبة بمكانة المرأة التونسية وبنمط معيشتها وتواجدها جنب إلى جنب مع الرجل في مؤسسات التعليم وفي مواقع الانتاج وفي الفضاء العام وبنمط لباسها الذي يعتبر متحررا مقارنة بغيرها من النساء في الدول العربية والمسلمة من وجهة نظر المحافظين والمتشددين دينيا سواء في تونس أو خارجها إلا أن المرأة التونسية مضت قدما بفضل خروجها للتعليم وللعمل وبدعم من المنظمات الحقوقية إلى تحقيق الكثير المكاسب ما يجعلها اليوم تبلغ مكانة الشريك الفاعل في بناء الدولة رغم كل ما قيل ويقال حول دوافع تمكينها من جانب هام من حقوقها الإنسانية.
وليس من قبيل المبالغة أن يقر العديد من السياسيين والحقوقيين في تونس وحول العالم بالمستوى الرفيع الذي بلغته المرأة التونسية من ناحية الحقوق والمكاسب خصوصا من الناحية التشريعية وهو ما يبرر إشادة الرئيس الفرنسي بها وكذلك افتخار وزيرة المرأة. ويعتبر مختصون في علم الاجتماع أن وضع المرأة التونسية من أهم العناصر التي تثير سخط التيارات الدينية المتشددة على المجتمع التونسي. وهي بذلك تشكل مركز قوة تونس في مواجهة هذه التيارات وتمثل سلاحها في محاربة الأفكار الظلامية والرجعية التي هبت على تونس مع رياح السلفية والتشدد الديني بعد الثورة. وقد برهنت نساء تونس على رفضهن لتواجد هذه التيارات في تونس وواجهنها في كل المناسبات والصدامات بشكل مباشر معلنات بتحد عزمهن على التصدي لها.
وليس وضع المرأة في تونس مثاليا على أرض الواقع فالمساواة والتناصف مثلا بينهن وبين الرجال في مواقع القيادة وفي مواقع القرار مازالت لم تتحقق بالقدر المرجو منهن ومازال أمام المجتمع التونسي العديد من المراحل التي من المفترض أن تعدل ثقافته ووعيه لتحقيق التكافؤ الفعلي بين الجنسين ونبذ كل أشكال التمييز ضد النساء وتحقيق العدالة بين النساء في المناطق الحضرية والمناطق الريفية.