السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا

هل حملت ميزانية 2019 حلولا جذرية لأسباب الأزمة في تونس

– تونس – خاص – صادق مجلس الوزراء في تونس خلال انعقاده تحت إشراف رئيس الحكومة يوسف الشاهد الأربعاء الماضي، على مشروع قانون المالية لسنة 2019 ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2019، وعلى مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2018، وينتظر أن تحيل الحكومة مشروع قانون المالية الجديد على مجلس نواب الشعب يوم الجمعة 12 أكتوبر. وأُعلن بذلك انطلاق النقاش السياسي في تونس حول قضايا قانون المالية وميزانية البلاد، وبالتالي حول الملامح العامة للتوجهات الاقتصادية التي ستنتهجها تونس.

يذكر أن قانون الميزانية في تونس، كان قبل ثورة 2011 يتم بمعزل عن النقاش العام، وكان يجهز في القصر الرئاسي ثم يرسل لمجلس النواب، الذي يصادقُ عليه “شكليا” تبعا لأنه مملى من مؤسسة الرئاسة. على أن الأمر تغير بعد الثورة ليصبح الجدل حول قانون المالية قادحا لنقاش واسع يطال كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية، بل يكون مناسبة لاستعراض الرؤى المتباينة حول مناويل التنمية وتقديم تصورات مختلفة للخروج بالبلاد من مربع الأزمات الذي لم تبارحه منذ عام 2011.

كما أن نقاش قانون المالية المزمع انتهاجه للسنة القادمة، ليس نقاشا اقتصاديا مثلما يتبادر للأذهان بل هو نقاش سياسي يشمل مختلف وجهات النظر لكل قضايا البلاد، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وتعليمية، طالما أن تبرير القانون أو نقده، يفضي إلى بحث أثره على كل القطاعات والمجالات.

لم يتأخر صدور الانتقادات المصوبة نحو قانون المالية الجديد منذ إعلانه، بل إن بعض القراءات استبقت صدوره بأن أعلنت موقفها الأيديولوجي مبكرا، بالقول إنه لا يمكن انتظار الحلول من مناويل التنمية التقليدية التي ثبتَ فشلها وعقمها، بل إن المشاكل العويصة التي تردت فيها تونس، تتطلبُ تغييرا عارما ورؤى مبتكرة، انطلاقا من أنه لا يمكن انتهاج نفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة.

هذه القراءات التي توصف بأنها مغالية أو أيديولوجية لم تعد تنسحب فقط على الأحزاب والتيارات اليسارية التي تطالب منذ سنوات بتغيير شامل في منوال التنمية وحل مشكلة المديونية ورفض إملاءات الجهات الدولية المانحة (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، بل طالت أيضا تصورات اقتصادية وسياسية ليبرالية بدأت تظهر في السنوات الأخيرة وتنادي بإصلاحات اقتصادية موجعة، وبرفع تدريجي للدعم عن المواد الأساسية، وحل مشكلة الكتلة العالية للأجور في الوظيفة العمومية بإيقاف الانتداب، وخاصة بخوصصة المؤسسات العمومية التي تتخبط في الأزمات.

هذا التباين يرجعنا إلى دائرة إلى الاستقطاب السياسي الحاد السائد في البلاد، بين أطراف يسارية تنادي بالوفاء لمضامين الثورة التي قامت ضد منوال تنموي فاشل أدى إلى التهميش والبطالة، وبين أطراف أخرى ليبرالية تنادي بأن زمن اقتصاد الدولة قد ولى وأصبح لزاما على البلاد أن تخوض غمار اقتصاد السوق بكل ما يعنيه من تنافسية ورفع نسق الإنتاج والتصدير، انطلاقا من كون تلك الإجراءات هي الكفيلة باسترجاع قيمة الدينار وتحقيق نسب نمو تتيح خلق مواطن شغل جديدة.

وثيقة “التوجهات الاقتصادية والاجتماعية لمشروع قانون المالية لسنة 2019” كشفت مختلف الإجراءات التي ضمنتها الحكومة في قانون المالية الجديد لدفع النشاط الاقتصادي ومنظومة الدعم والإحاطة بالفئات الضعيفة ومحدودي الدخل ودفع التشغيل ودعم المبادرة الخاصة ومقاومة السوق الموازية والتهرب الجبائي. والمفارقة أن هذه الشعارات أو المحاور تتكرر سنويا مع كل قانون مالية جديد، وتطرح الأهداف نفسها، لكن لا يتحقق شيء من ذلك، لتراوح البلاد موقعها من الأزمات الاقتصادية بل ويزداد وضعها سوء، وهو ما يقدمُ مبررا وجيها للقراءتين المتباينتين للقول أن ذلك يمثل ارتجالا اقتصاديا ولا يعكس سياسة جادة تعتزم إصلاح البلاد.

تقنيا قدرت المصادر الحكومية الحجم الإجمالي لميزانية 2019، بـ40.861 مليار دينار (ما يناهز 15 مليار دولار)، أي بزيادة قدرها 8.5 بالمئة مقارنة مع النتائج المحتملة لسنة 2018، وحددت نسبة النمو المنتظرة أو المرجو بلوغها 3.1 بالمئة، ومعدل سعر برميل النفط العالمي 75 دولار، (هذا الرقم الأخير يمثل مشكلة تتكرر كل سنة إذ بنيت ميزانية 2018 على فرضية معدل سعر البترول العالمي بـ54 دولار وكانت فرضية مغلوطة أدت إلى وجوب توفير اعتمادات مالية ضخمة لتسديد الفارق). كما أعلن قانون المالية الجديد مواصلة حصر عجز الميزانية في حدود 3.9 بالمائة، والتخفيض في نسبة المديونية من 71.7 بالمئة مقدرة في قانون المالية لسنة 2018 إلى 70.9 بالمئة سنة 2019.

ولم ينتظر الخبراء وأهل الاختصاص انتهاء السنة القادمة لمحاكمة هذه الأرقام المتفائلة أو المتطلّعة، بل تم تقييمها انطلاقا من كونها قدمت رؤى تقليدية للميزانية ولاقتصاد البلاد، وقدمت مؤشرات تشي بأن الحكومة تواصل انتهاج نفس الوسائل ولم تفكر في دفع التنمية وإنعاش الاقتصاد، بل إن البعض اعتبر أن التركيز الحكومي على الإعلان على حجم كتلة الأجور وحجم الدعم وحجم خدمة الدين كلها توجهات توحي بأن حكومة الشاهد تبحث فقط عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الصناديق الدولية المانحة.

واعتبر ناجي جلول رئيس المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (وزير التربية السابق) في تصريح أدلى به الخميس أن “الحكومة تعمل على تهدئة الوضع وتعمد إلى ترحيل كل القضايا المهمة إلى الحكومات القادمة” وأضاف أن “مشروع قانون المالية 2019، الذي تتكتم الحكومة على تفاصيله، لن يقدم حلولا للمشاكل التي قامت من أجلها الثورة في تونس على غرار البطالة وتدني مستوى العيش خاصة مع ضعف مستوى الاعتمادات المخصصة للتنمية وتفاقم نسبة التداين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق