شرق أوسط
اللجنة الدستورية أبصرت النور لكن انتهاء النزاع السوري ما زال بعيداً
ـ بيروت ـ رغم اعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الإثنين تشكيل لجنة دستورية تضمّ ممثلين عن الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني في سوريا، بعد أشهر طويلة من المشاورات، إلا أن إحلال السلام لا يزال، وفق محللين، بعيد المنال.
وبعد أكثر من ثماني سنوات من حرب مدمرة أودت بحياة أكثر من 370 ألف شخص، من المنتظر أن تبدأ هذه اللجنة عملها في الأسابيع المقبلة، وسط تباين كبير في وجهات نظر طرفي النزاع إزاء صلاحياتها والمنتظر منها.
وتتألف اللجنة، التي أثارت تسمية أعضائها خلافات بين دمشق والأمم المتحدة على مدى أشهر، من 150 عضواً. خمسون منهم اختارتهم دمشق، وخمسون اختارتهم المعارضة، بينما اختارت الأمم المتحدة الخمسين الآخرين، من خبراء وممثلين عن المجتمع المدني.
وقال غوتيريش للصحافيين في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك الإثنين “أعتقد بشدّة أنّ تشكيل لجنة دستورية يتولّى السوريون أنفسهم تنظيمها وقيادتها يمكن أن يشكّل بداية طريق سياسي نحو حلّ” النزاع المستمر منذ العام 2011.
ولم تنجح الأمم المتحدة التي عقدت جولات محادثات متتالية بين وفدي الحكومة والمعارضة في جنيف منذ العام 2016 في التوصل إلى تفاهم يمهّد لتسوية النزاع، جراء الخلاف على مصير الرئيس السوري بشار الأسد الذي تتمسك المعارضة بتنحيه، بينما تعتبر دمشق أن الموضوع غير مطروح للبحث.
وبدءاً من العام 2017، طغت محادثات أستانا برعاية روسيا وايران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة على مسار جنيف. وانبثق عن اجتماع عقد تحت مظلتها في منتجع سوتشي مطلع العام 2018 اقتراح روسي بتشكيل لجنة دستورية مهمتها “صياغة اصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة”.
وتتباين قراءة كل من الحكومة السورية والمعارضة لمهام هذه اللجنة، اذ تحصر دمشق صلاحياتها بنقاش الدستور الحالي، بينما تقول المعارضة إن الهدف منها وضع دستور جديد للبلاد.
ويقول المستشار الخاص لدى معهد مونتني في باريس ميشال دوكلوس، الذي شغل منصب سفير فرنسا لدى دمشق، لوكالة فرانس برس إن الأسد “في موقع قوة ويوعز له الروس القيام ببعض الخطوات (على غرار اللجنة الدستورية) لكنه قاوم رغبتهم هذه على مدى أشهر”.
“لا اصلاحات جوهرية”
ويرى أن الأسد “يحتفظ بإمكانية عرقلة استمرار العملية. وفي غضون ذلك ستكون هناك انتخابات… وسيُعاد انتخابه في العام 2021 في حال لم يتغير شيء”.
وتأمل الدول الغربية أن يمهد تشكيل اللجنة الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وأن يسمح لملايين اللاجئين السوريين، وكثيرون منهم معارضون للأسد، بالعودة إلى بلدهم.
لكن محللين يقولون إنه من غير المرجح أن يوافق الأسد على أي شيء قد يهدد موقفه وموقعه.
ويرجّح الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية جوليان بارنز-دايسي لوكالة فرانس برس أن “الحكومة السورية ستواصل بلا شك إعاقة هذه العملية”، مضيفاً “يجب علينا ألا نتوقع تسوية سياسية عادلة أو اصلاحات جوهرية من جانبها”.
ورحبت دمشق بتشكيل اللجنة. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عنه الإثنين إنه “جرى الاتفاق على كل تفاصيل هذه اللجنة، وذلك بفضل مواكبة وتوجيهات” الأسد “طوال 18 شهراً من المحادثات”.
ونقلت صحيفة الوطن المقربة من دمشق في عددها الثلاثاء إن “سوريا فرضت رؤيتها في ما يتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية وآليات وإجراءات عملها” بعدما كانت محل خلاف طيلة الأشهر الماضية.
من جهتها، أعلنت هيئة التفاوض السورية الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة في الخارج، في بيان الثلاثاء، أنها “غير غافلة عن أي عراقيل قد يضعها النظام في وجه عمل اللجنة”، آملة أن تشكل “بوابة لمناقشة باقي مضامين” قرار مجلس الأمن رقم 2554 الصادر العام 2015 والمتعلق بالتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا.
وكتب عضو هيئة التفاوض هادي البحرة على تويتر تعليقاً على تشكيل اللجنة أن “احياء العملية السياسية نقطة انطلاق”، لافتاً إلى “تحديات جديدة يتعين مواجهتها وصولاً الى التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.
“انفتاح نادر”
وشكل هذا القرار مرجعاً لجولات التفاوض برعاية الأمم المتحدة في جنيف والتي توقفت في العامين الأخيرين. إلا أن غوتيريش أعلن الاثنين أن موفده إلى سوريا غير بيدرسون “سيجمع اللجنة الدستورية في الأسابيع المقبلة”.
ويقول بارنز-دايسي إن تشكيل اللجنة الدستورية “هو السبيل الوحيد، وإن كان ضيقاً، لمحاولة خوض أي شكل من أشكال العملية السياسية” وهو ما يشكل “انفتاحاً نادراً” على حد قوله.
وبدعم من حلفائه خصوصاً روسيا التي بدأت تدخلها العسكري في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015، باتت قوات النظام تسيطر اليوم على أكثر من ستين في المئة من مساحة البلاد. ولا تزال مناطق تحت سيطرة المقاتلين الأكراد (شمال شرق) ومحافظة إدلب (شمال غرب) التي تسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر منها، خارج نفوذ دمشق.
وإذا كانت دمشق وهيئة التفاوض المعارضة هما الحاضران الأبرز على طاولة نقاشات اللجنة الدستورية المرتقبة، فإن الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا هي أكبر الغائبين.
واعتبرت الإدارة الذاتية الإثنين أن “إقصاءها” عن اللجنة بمثابة “إجراء غير عادل”.
ولم تدع الإدارة الذاتية للمشاركة في أي من المحادثات حول سوريا في جنيف أو في استانا وسط رفض لمشاركتها من قبل المعارضة ودمشق في آن معاً.
وتصنّف تركيا الداعمة للمعارضة المقاتلين الأكراد الذين أظهروا فاعلية في قتال تنظيم داعش “ارهابيين”، فيما تأخذ عليهم دمشق تحالفهم مع واشنطن وترغب باستعادة المناطق تحت سيطرتهم. (أ ف ب)