أوروبا

سيباستيان كورتز يواجه معضلة تشكيل ائتلاف حكومي نمساوي

_ فيينا _ يواجه زعيم “حزب الشعب” اليميني في النمسا سيباستيان كورتز بداية عملية بحث صعبة عن شركاء محتملين لتشكيل ائتلاف الاثنين، رغم نجاحه الباهر في الانتخابات التشريعية.

وحقق حزب الشعب فوزاً واضحًا مع حصوله على نحو 37 بالمئة من الأصوات في انتخابات الأحد، ما يشكّل تحسنًا ملحوظًا عن أدائه عام 2017 ونتيجة تدل على أن كورتز سيتحمل مسؤولية استشارة أحزاب أخرى في مهمة تبدو صعبة في الوقت الحالي.

وقال كورتز للإذاعة الوطنية العامة الاثنين “سنتحدث بالطبع مع كافة الأحزاب لمعرفة أيها سيكون بإمكاننا تشكيل حكومة مستقرة معها”.

وأضاف السياسي البالغ من العمر 33 عامًا أن ذلك قد يستغرق أكثر من شهرين، وهي المدة التي احتاجها آخر مرّة للتوصل إلى اتفاق مع اليمين المتشدد.

لكن هذه الحكومة انهارت في أيّار/مايو بعدما عصفت فضيحة فساد “إيبيزا غيت” بحلفائه الأصغر في الائتلاف — “حزب الحرية” اليميني المتشدد والمناهض للهجرة، دفعت زعيمه هاينز-كريستيان شتراخه للاستقالة.

وخلال الأسبوع الذي سبق الانتخابات، ظهرت اتهامات جديدة بحق شتراخه بشأن الاشتباه باستغلاله نفقات الحزب ليواجه خسارة أسوأ من المتوقع. فتراجع حزب الحرية بعشرة بالمئة بالمقارنة مع انتخابات عام 2017، ليحصل على نحو 16% من الأصوات، وفق توقعات ما بعد التصويت.

وبذلك، من المستبعد تكرار التحالف بين حزبي الشعب والحرية — الذي اعتبره القوميون في أنحاء أوروبا بمن فيهم رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان نموذجًا يحتذى به — إذ أكّد قادة حزب الحرية بأنهم يفضّلون البقاء في المعارضة.

وأفاد زعيم حزب الحرية الجديد نوربرت هوفر أنه سيتم الإعلان عن الخطوات في المستقبل باتّجاه “إعادة بناء” الحزب خلال الأيام المقبلة بينما لم يستبعد فصل شتراخه تمامًا من الحزب في حال ثبتت صحة الاتّهامات بحقه بشأن استغلاله الحزب ماليًا.

موجة الخضر

وبدلاً من ذلك، قد يوجّه كورتز أنظاره إلى حزب “الخضر” الذي حقق نتائج جيّدة كذلك في انتخابات الأحد.

وكان كورتز مستشار النمسا الأصغر سنًا في تاريخها عندما تولّى المنصب في 2017.

وبفضل تصدر أزمة المناخ اهتمامات الناخبين خلال الصيف، تمكّن الخضر من تحقيق أفضل نتائج في تاريخهم عبر الفوز بنحو 14 بالمئة من الأصوات، في تحوّل لافت عن العام 2017 عندما فشلوا في دخول البرلمان.

ويتقاسم الخضر وحزب الشعب السلطة أصلاً في منطقتي تيرول وسالزبورغ، في نموذج أشار البعض إلى إمكانية استنساخه على الصعيد الوطني رغم أن الأمر لا يبدو بهذه السهولة.

وأفاد زعيم حزب الخضر فيرنر كوغلر الأحد أن الحزب قد يحتاج إلى التفكير في مسألة إن كان تشكيل ائتلاف مع حزب الشعب “منطقي بالمطلق”.

وقال كوغلر إنه سيكون من الضروري أن يُدخل حزب الشعب “تغييرات جذرية”، ليس فقط في ما يتعلق بالتغيّر المناخي بل كذلك في مجالي مكافحة الفساد والفقر.

وأظهرت استطلاعات معهد “سورا” النمساوي للأبحاث والاستشارات أن ناخبي الحزبين يشككون ببعضهم البعض، إذ لا يرغب إلا 20 بالمئة من ناخبي حزب الشعب رؤية الخضر في الحكومة بينما يرغب 32 بالمئة فقط من ناخبي الخضر أن يكون حزب الشعب في الحكومة.

لكن صحيفة “دي برس” أشارت في افتتاحيتها الاثنين إلى أن الخضر أمام فرصة أخيرة لمنع قيام حكومة يمينية متشددة.

وقالت الصحيفة إنه سيكون لدى الحزبين الفائزين فرصة لتشكيل حكومة “بتوجهات سياسية صديقة للبيئة وداعمة للأعمال التجارة تحظى بتقدير دولي”. 

“ائتلاف كبير” أو حكومة أقليّة

وقد يفكّر كورتز كذلك بأسلوب الحكم الأكثر تقليدية في النمسا عبر “ائتلاف كبير” بين حزب الشعب والاشتراكيين الديموقراطيين (يسار وسط).

ورغم أن ذلك أمر ممكن حسابيًا، إلا أن تحقيقه صعب نظراً إلى تراجع حصة الاشتراكيين الديموقراطيين من الأصوات بخمس نقاط إلى نحو 22 بالمئة — وهي أسوأ نتيجة للحزب في أي انتخابات تشريعية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ونتيجة ذلك، يشير قادة الاشتراكي الديموقراطي إلى أن على الحزب التفكير في إمكانية إصلاحه بطريقة تمكّنه من إيصال رسالته بشكل أفضل.

وبجميع الأحوال، يستبعد أن يكون هذا الخيار مستساغ بالنسبة لكورتز الذي ألغى آخر ائتلاف كبير في 2017 أو حتى لزعيمة الاشتراكيين الديموقراطيين باميلا ريندي-فاغنر التي انخرطت في سجالات حادة مع زعيم حزب الشعب خلال حملة الانتخابات.

وبحسب الخبير السياسي بيتر فيلزايمر فإنه سيكون لزامًا على كورتز “إحباط بعض ناخبيه بغض النظر عن الجهة التي يقرر تشكيل ائتلاف معها”.

فمثلاً، سيكون من الصعب تفسير أي شراكة مع الاشتراكيين الديموقراطيين أو الخضر إلى نحو 258 ألف ناخب تشير التقديرات إلى أنّهم اختاروا كورتز بعدما كانوا من أنصار اليمين المتشدد.

وسيكون الخيار الأخير أمام كورتز تشكيل حكومة أقليّة، وهو أمر يرى المحلل يوهانيس هوبر بأنه يميل الى اعتماده.

لكن حتى هذا السيناريو سيحتاج إلى دعم من حزب آخر لحزب الشعب ليتمكن من النجاح في عمليات تصويت مهمة في البرلمان، وهو أمر في حال فشل فيه، قد يفضي إلى انتخابات جديدة في غضون عدة أشهر. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق