أحمد المصري
أتفهم حجم الانتقاد الذي تعرض له مقالي السابق على صحيفة “”، كما اتفهم حجم التضليل الذي تمارسه أذرع الإخوان في الدوحة وخارجها للتفسيرات خارج السياق.
قضية الزميل الصحفي جمال خاشقجي، متشابكة في تعقيداتها، لكننا كصحفيين لا نقرأ المكتوب من عنوانه وحسب، بل نوظف كل المعطيات التي لدينا لفهم الصورة بشكل أعمق، واكثر وضوحا.
بقراءة شخصية، كنت أتابع منذ فترة ليست قصيرة التحول في الخطاب الإعلامي الإخواني المتمركز فعليا بين قطر وتركيا، وأذرع هذا الخطاب المتواجدة في لندن حيث أقيم وأعمل كذلك.
باديء ذي بدء، لست مدافعا عن السعودية، وعندي في أرشيفي المهنى (القديم والحديث) ما يكفي لدرء شبهة وصفي بأني وكيل الدفاع عن أي دولة او نظام في العالم العربي.
لكن، أستعير من الصديق والزميل مالك العثامنة عبارة يرددها دوما حيث يقول “التفكير على طريقة مسيو بوارو”، فنحن امام جريمة غامضة تحتاج استحضار شخصية أغاثا كريستي الشهيرة، المحقق البلجيكي مسيو بوارو.
في أي مسرح جريمة، فإن التفكير على طريقة مسيو بوراو تفترض أن كل الموجودين هم محل اشتباه،
وليس بالضرورة أن يكون أول خصوم الضحية المباشرين هو المجرم الحقيقي، لكن لا يمكن استبعاده من دائرة الاشتباه، وعادة في التفكير على طريقة المسيو بوارو، فإن كثيرا من الأسئلة وعلامات السؤال يتم بناؤها كسياج يحاصر هؤلاء المدافعين عن الضحية والمتباكين عليه أكثر من غيرهم!! لكن أيضا في التفكير على طريقة المسيو بوارو، وهي بديهة في كل علوم الجريمة أساسا، فإن الضحية نفسها قد تعطي إشارات ودلالات على قاتلها!
في حالة السيد خاشقجي، فالرجل كان اكثر من صحفي وصاحب رأي مؤطر في مقال هنا او هناك مهما تعددت منابره، فالرجل له تاريخ طويل في عوالم السياسة والعمل السري المرتبط بأجهزة مخابرات واستخبارات وقوى وتنظيمات فوق الأرض وتحتها.
ما يراه الناس على السطح هو صحفي وكاتب مقال “ليبرالي” وإصلاحي اصطدم مع قيادة بلاده بحزمة من الآراء، فعاش خارج السعودية ثم دخل قنصلية بلاده ليتمم أوراقا ما وحسب الوارد من مصدر واحد هو السيدة خديجة جنكيز فإنه كان على وشك الاقتران بها في تركيا، وبعد دخوله القنصلية التي انتظرته السيدة خديجة امام بابها لساعات، لم يخرج الرجل مطلقا.
لم يسأل أحد السيدة خديجة أكثر من ذلك، وهي آخر من كان معه، بل وكان معها هاتفه بإقرارها هي نفسها.
لم يتساءل أحد عن سذاجة قتل الرجل هكذا في حرم هيئة دبلوماسية وبفريق قتل يفترض أنه محترف حد معرفته أنه سيتم تصويره لحظة وصوله ومغادرته مطارات تركيا.
لكن “الجزيرة”، وكل أذرع قطر الإخوانية والتي تعمل بتنسيق خرافي مع تركيا (مسرح الجريمة)، هبت في سيل أخبار لا ينقطع لاتهام السعودية (التي هي عندي وعند غيري تظل في دائرة الاشتباه)، ولم يفكر أحد بما لا يراه الناس من تاريخ الضحية نفسها، تاريخ متشابك من العلاقات والارتباطات التي تتجاوز كونه صحفيا وصاحب رأي، فالرجل كان في أفغانستان حاملا للسلاح مع “مجاهدي” ذلك الزمن، وهم فيما بعد “دواعش” هذا العصر.
والرجل له ارتباطاته المتعاطفة مع الإخوان، وطرح نفسه وسيطا لعلاقات جيدة بين أنقرة والرياض، وهذا يتطلب بلا شك علاقات شخصية كثيرة للوصول إلى موقع يمكنه من طرح مبادرة كتلك.
الرجل كان لديه من الأسرار ما يكفي لجعله هدفا لأكثر من جهة، لكن أذرع قطر الإخوانية وجدت في السعودية هدفا سهلا، وكانت تلك الأذرع هي الأكثر تباكيا على الرجل.
صحف دولية ووكالات انباء عالمية ومحطات كانت تحظى باحترامنا، سقطت في فخ الدعاية القطرية ـ الاخوانية فمن التقطيع بمنشار (ثبت انها كذبة) الى 15 عشر رجلا بينهم طبيب تشريح نشرت صورهم خلال ساعات (ثبت انها كذبة) الى ساعة “ابل” سجلت كل التفاصيل (ثبت انها غير واقعية) الى كل روايات الخيال العلمي التي نراها يوميا مصدرها الوحيد مسؤولين اتراك دون ذكر اسمهم وهو امر يدعو للشفقة.
السعودية تتعرض لاحقر عملية ابتزاز عرفها التاريخ، فهل تم ايقاع الرياض في فخ نصب لها باحكام من قبل اجهزة استخبارتية ارتبط بها خاشقجي وموزعة بين اسطنبول وواشنطن والدوحة؟ لا نجزم وهو ترجيح محتمل وممكن الحدوث، فيكون لدينا ضحيتان، خاشقجي وبلاده في نفس الوقت.
لا نقف أبدا مع الاغتيال أو الخطف او التصفية مهما كانت الظروف، وما حدث مع الرجل خروج عن القانون و جريمة لها عقوبتها كما لها عواقبها، لكن نحاول أن نفكر خارج الصندوق مرة اخرى، على طريقة المسيو بوارو، هي بالمناسبة من أبجديات التحقيق بعقل بارد بعيدا عن العواطف والمواقف المسبقة.